في كل عام حين نحتفل بنصر أكتوبر العظيم لابد أن نتذكر سيناء الحبيبة.. أرضنا الطيبة الطاهرة المباركة.. التي ارتوت بدماء المصريين حتي استردوها من يد الغاصب المحتل.. لكننا - للأسف - تركناها نهبا للفقر والجهل والمرض.. تركناها جدباء قاحلة واكتفينا بعدة منتجعات هنا وهناك.. مما أغري العدو الإرهابي بأن يتخذ منها مخبأ وملاذا.. وما يمكن أن يغري العدو الصهيوني باحتلالها مرة أخري عند أول نقطة للخلاف. جدير بنا اليوم ونحن نحتفل بنصر أكتوبر ان نعض أصابع الندم علي فشلنا وغفلتنا.. فربما زادنا ذلك حماسا.. ونبهنا إلي ضرورة العمل بجد ونشاط لتحويل التصريحات والوعود المتكررة عن تنمية سيناء إلي خطط ومشروعات تنفذ علي أرض الواقع. لقد تحدثت حكومات مصر المتعاقبة كثيرا عن ضرورة تنمية سيناء وتعميرها لأهداف استراتيجية لكنها لم تقدم شيئا ملموسا.. ومازالت سيناء تمثل الحلم الكبير لأولئك الذين يتطلعون إلي مستقبل أفضل في هذا البلد فهي الأرض البكر التي يمكنها بشيء يسير من الجهد ومن المال ان تستصلح وتستزرع وتنتج الخير الوفير لأهلها ولأهل مصر جميعا.. وهي المساحة الشاسعة التي يمكنها ان تستوعب العديد من المشروعات والصناعات وتستوعب ملايين البشر من الذين ضادق بهم الوادي والدلتا فنساهم بذلك في حل مشكلة التكدس السكاني وحل مشكلة العشوائيات ومشكلة المرور والازدحام من خلال إعادة توزيع السكان. ورغم الحديث المتكرر في المناسبات الوطنية عن أهمية تعمير سيناء إلا ان هذه البقعة الغالية مازالت تعاني من مشكلات عديدة تؤدي إلي عزوف المواطنين عن العيش فيها وهجرتها في مقدمتها بالطبع موجة الإرهاب وعدم توافر الخدمات ووسائل النقل وفرص العمل وعدم تقديم حوافز كافية للقطاع الخاص لدفعه إلي الاستثمار في المشروعات الصناعية والإنتاجية كثيفة العمالة. ومن المفارقات ان اعتبارات الأمن القومي والطبيعة العسكرية لسيناء كانت تستخدم مبررا لتعطيل التنمية في هذه الأرض المتاخمة لفلسطين المحتلة بينما الحقيقة ان التنمية الشاملة ومضاعفة الكتلة السكنية في سيناء تشكلان خط الدفاع الرئيسي والأكثر فاعلية عنها وعن مصر بأكملها سواء في مواجهة أي عدوان إسرائيلي أو في مواجهة قوي التطرف والعنف والإرهاب. بهذا المعني لن تكون سيناء مشكلة في المستقبل.. بل ستكون هي الحل والسبيل للخروج مما نحن فيه من ضيق واضطراب إلي سلام أوسع ورزق أرحب.. ليس علي مستوي سيناء فقط وإنما علي مستوي مصر كلها. وسيناء كما أثبتت الدراسات عامرة بالخيرات.. تحتوي علي احتياطي ضخم من الخامات الطبيعية والبترول والغاز وتزخر بخامات مثل الجبس والجير والكبريت والفحم وملح الطعام والرمال بألوانها المختلفة.. كما ترتبط بالأسواق المحلية والعربية والعالمية بشبكة من الطرق برا وبحرا وجوا.. وتمر في سيناء شبكة الربط الكهربائي العربي وبالاضافة بالطبع إلي قناة السويس و7 مطارات و9 موانيء بحرية وعشرة طرق برية من بينها الطريق الدولي الذي يربط المشرق العربي بمغربه. وتضم سيناء مشروعات عملاقة لم تكتمل بعد.. مثل مشروع ترعة السلام المجهزة لري 450 ألف فدان وخط السكة الحديد وتتوافر فيها مساحات كبيرة من الأراضي المزروعة والأراضي الصالحة للزراعة وتمتلك سيناء شواطيء طويلة علي البحرين الأبيض والأحمر مما يجعلها عامرة بامكانات سياحية فريدة وثروة سمكية لم تستغل بعد. كل هذه العناصر قادرة علي جذب المزيد من السكان والاستثمارات العربية والعالمية.. ولعلنا نتذكر في هذا الصدد مشروع الربط بين السعودية ومصر عن طريق جسر عملاق يمتد فوق خليج العقبة لتسهيل تبادل السلع وانتقال الايدي العاملة وتيسير حركة السياح والحجاج والمعتمرين ورءوس الأموال بين البلدين وتجنب مخاطر العبارات القاتلة. وهكذا يتأكد ان تعمير سيناء الآن هو الأيسر والأقل تكلفة لحل الكثير من مشاكلنا.. بالاضافة إلي أمننا القومي يدعونا بكل الحاح إلي أن نزرعها بالبشر وان نربطها بالدلتا لننهي عزلتها إلي الأبد.