مرة أخري يذكرنا عيد تحرير سيناء بأحد أخطائنا الوطنية الجسيمة.. خطأ إهمال وتجاهل هذا الجزء الغالي من الوطن وتركه فقيرا ضعيفا يغري العدو بأن يعتدي عليه ويحتله عند أول نقطة للخلاف.. وأجدر بنا ألا نحتفل بعيد تحرير سيناء يوم 25 أبريل وإنما نحزن علي فشلنا وغفلتنا.. فربما زادنا ذلك حماسا ونبهنا الي ضرورة العمل بجد ونشاط لتحويل أغانينا إلي خطط ومشروعات تنفذ علي أرض الواقع. كانت سيناء لاتزال تمثل الحلم الكبير لأولئك الذين يتطلعون إلي مستقبل أفضل في هذا البلد.. فهي الأرض البكر التي يمكنها بشئ يسير من الجهد أن تستصلح وتستزرع وتنتج الخير الوفير الذي تحتاج إليه مصر كلها.. وهي المساحة الشاسعة التي يمكنها أن تستوعب العديد من المشروعات والصناعات.. وتستوعب ملايين البشر من الذين ضاق بهم الوادي.. فتساهم بذلك في حل مشكلة التكدس السكاني وحل مشكلة العشوائيات من خلال إعادة توزيع السكان علي المناطق الآهلة.. وبالتالي تساهم في حل مشكلة السكان والإسكان. تبلغ مساحة سيناء 60 ألف كيلو متر مربع.. منها 28 الف كيلو متر بمحافظة شمال سيناء و22 الف كيلو متر في جنوبها.. وهذه المساحة العملاقة مازالت في حاجة الي العديد من برامج التنمية لكي تجذب المشروعات الصناعية والزراعية والسياحية.. وتساهم في توطين 5.4 مليون نسمة. ورغم الحديث المتكرر في المناسبات الوطنية عن أهمية تعمير سيناء سياسيا واقتصاديا إلا أن هذه البقعة الطاهرة الغالية من أرض مصر مازالت تعاني من عزوف المواطنين عن العيش فيها.. ومازالت هناك مشكلات عديدة تعترض سبيل التنمية علي أرضها.. والأسباب في ذلك متنوعة.. لعل أهمها عدم توافر الخدمات ووسائل النقل وفرص العمل.. وعدم تقديم حوافز كافية للقطاع الخاص وأصحاب رؤوس الأموال. وهناك تقارير عديدة في المجالس القومية المتخصصة وفي مجلس الشوري عن التنمية في سيناء.. وآخر تقرير صدر عن مجلس الشوري في هذا الشأن ذكر ان الاستثمار في المحافظة العريقة يمر بأزمة حقيقية.. وانه خلال 20 عاما مضت منذ ان عادت سيناء كاملة لنا لم ينفذ علي أرض الواقع فيها سوي 30% فقط من المستهدف.. وهذا مؤشر خطير ينبغي ان يحرك الجهات المسئولة المنوط بها التخطيط والمتابعة.. ومما يؤسف له أن تكون هذه النسبة المذكورة منحصرة فقط في المشروعات السياحية والفيلات والقصور وأماكن الترفيه وهي تنمية طفيلية لا تمس حياة القاعدة العريضة من الشعب. لقد صاحبت عودة سيناء في 25 ابريل عام 1982 وعود وأمنيات هائلة بأنها ستكون مشروع مصريا القومي.. مشروع المستقبل العظيم.. لكن الأعوام مرت دون ان تأخذ سيناء حقها.. ويكاد الحلم يتبدد من بين أيدينا لكي يسلمنا الي الإحباط والركود.. وظهرت مشكلات حقيقية تعترض تحقيق الوعود والأمنيات. من هذه المشكلات الحقيقية التي نلمسها أن المشروع القومي لتنمية سيناء الذي بدأ عام 1994 ليستمر حتي عام 2017 قد تعطل.. وكان هذا المشروع الكبير يحمل رؤية مستقبلية تقضي بضرورة وجود 5.4 مليون مواطن مصري في سيناء وشبكة من المشروعات الزراعية والصناعية والسياحية.. ولعل أهم ملامح تعطيل هذا المشروع ان ترعة السلام لم يتم استكمالها وخط السكة الحديد ايضا معطل.. والمنطقة الصناعية في شمال سيناء لم توضع بعد علي خريطة المناطق الصناعية في مصر. واذا كانت هناك تخوفات حقيقية يجب الانتباه اليها بخصوص تملك الأجانب لأراضي سيناء بطرق وأساليب ملتوية فإن هناك تخوفات اخري تتعلق بالتصور العام ان تعتمد التنمية في سيناء علي المشروعات السياحية وحدها.. فمهما كانت هذه المشروعات مربحة الا انها لا تحقق الهدف الذي ترمي اليه التنمية المتكاملة التي تتوخي في المقام الأول تعمير الأرض والدفاع عنها. دعونا نتذكر دائما أن الاسرائيليين يدخلون سيناء بلا تأشيرات.. ويقيمون فيها ويتجولون ببطاقة الهوية.. ويزعمون.. رغم ذلك.. أنها ملاذ آمن للمنظمات الإرهابية التي تهدد إسرائيل.. ودعونا نتذكر دائما أن اصواتا رسمية ومسئولة في اسرائيل طالبت صراحة بإعادة احتلال سيناء في أول رد فعل علي قرار وقف تصدير الغاز لأسباب تجارية.. وهكذا تحولت سيناء بسبب غفلتنا الي نقطة ضعف في جسد الوطن بدلا من ان تكون ثغرا حصينا يدافع عنه. ان تعمير سيناء أولا وقبل أية مشروعات قومية أخري وزرعها بالبشر هو الرد العملي الوحيد علي كل من تسول له نفسه أن يعتدي عليها.. فسيناء مصرية ولن يعيش عليها إلا المصريون ولن يعمرها إلا المصريون.