لا أدري سر العلاقة بين "الطبال" وبين المنافق.. الأول صاحب مهنة أراها أكثر شرفاً من أولئك الآكلين علي كل الموائد.. المزورين للحقائق.. المعظمين لصغائر أسيادهم.. من يسولون لكل صاحب مال أو سلطة أنه ملهم. وأن الدنيا لولاه ما طلعت شمسها ولا غربت. الرابط ربما في "الطبلة" الجوفاء. التي لا فائدة منها هو ذلك الصوت الراقص. أو ربما أن الطبال لم يكن يومًا صاحب الفرح.. كل ما يعنيه أجرته التي يحصل عليها. أو "النقطة" كلما زاد عدد الراقصين. أذكر في سنوات ليست ببعيدة موقفا نتناقله عن مسئول. عاد من رحلة حج. فهنأه أحد العاملين بالدعاء المعتاد "حج مبرور وذنب مغفور". فما كان من أحد الطبالين في جوقة النفاق التي تحيط بالمسئول. سوي أن انتفض مكفهر الوجه وقال للموظف المسكين "اخرس. وهو الباشا عنده ذنوب". تتنامي قطعان المنافقين يومًا بعد يوم. حتي ظلمنا الطبلة والطبال. وما يفعله الكثيرون من "الرقاصين" فاق حدود ما تسول به النفس أو الشيطان. وكأن لهم مدارس خاصة لا يعلمها سواهم. تعلمهم فنون "الأونطة" والتقرب من المسئول والتلون بألف لون. والتحول من موقف إلي آخر بغرابة عجيبة ومدهشة. منذ أيام ليست قليلة زرت مسئولاً في إحدي الهيئات الثقافية. فأهداني كتابًا صادراً عن المؤسسة. تصدرته صورة مسئول كبير وآخر أصغر. وعبارة معادة ومملة لم أتصور أن أصادفها في الثقافة. التي يري المسئول أن ما تحققه فيها ولا شيء تحقق تم برعاية هذا المسئول الأكبر منه والآخر "الأصغر شوية". كنا نتداول في شبابنا عبارات كلاسيكية اخترعها المنافقون من عينة "شخبطة سعادتك.. تخطيط لمستقبل حياتي" ونكات نفس بها المصريون عن ضجرهم وحنقهم. لكن الأمر اليوم بات أنكي وأشد. وصفوف المنافقين باتت بلا آخر. لدرجة أن الراغب في النفاق "حديثًا" عليه أن ينتظر طويلا حتي يأتيه الدور. وربما لا يأتيه. المشكلة في أن فريقا من أولئك "المطبلاتية" أصبحوا من صانعي القرار أو مسانديه. وقليل من الإعلاميين الذين يطلون علينا من الشاشات. يظنون أنهم الأدري بمصلحة البلد. وأنهم يحبونها أكثر منا. وأن هذا الحب له أدواته التي يعرفونها والتي قد نفسرها نحن "تطبيلاً" لكن لأنهم من "أهل الحظوة" و"مكشوف عنهم الحجاب". فإنهم يسوقون للناس ما سئموه. ودخلوا في "حلقة ذكر" لا تنتهي. ليست أبدًا لصالح الوطن. فالوطن ما تصلحه هي المكاشفة والشفافية والعمل وليس "الطبل" والرقص. ليس من مصلحة البلد أن يزيد عدد المنافقين فيه. في المحافظة وعند الوزير. ووكيل الوزارة. ومدير المكتب. حتي الأعمال الصغيرة. لم يعد بامكانك أن تنجزها دونما كلمة مجاملة علي الأقل. تكبر مع "السهراية" حتي تصبح وصلة نفاق سخيفة ومملة. واتسعت الدائرة لتشمل طوابير عشقوا "الأونطة" والفهلوة و"الكلام الفاضي". هل كنا كذلك طوال مشوارنا.. أم أن كثيراً من أحوالنا هذه الأيام جديدة علينا؟.. أعتقد أننا تغيرنا كثيرًا.. لم نعد نشبه أنفسنا. وأعتقد بل وأجزم أن الإعلام يتحمل مسئولية كثير مما يحدث هذه الأيام.. الإعلام الحديث بنوافذه غير المحدودة. بات يسوق كل شيء حتي الأخلاق.. الإعلام بات يصنع كل شيء.. وضعنا في "خلاط" ليشكلنا بنكهات مختلفة.. للأسف معظمها رديء. *** ما قبل الصباح: "الطبال".. جاهز للعمل عند أي صاحب فرح