في رحاب أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد نتعطر بسيرتها الطيبة حين بعثت لرسول الله صلي الله عليه وسلم بعد أن أخبرها ميسرة بالآثار التي تكشفت في الشام وخلال اللقاء الذي اتسم بالمصارحة الكاملة. قالت: إني قد رغبت فيك لقرابتك مني» وشرفك في قومك. وأمانتك عندهم. وحسن خلقك وصدق حديثك. ثم عرضت نفسها عليه. صدرت منها هذه الرغبة خاصة أنها كانت أوسط نساء قريش نسباً. وأعظمهم شرفاً وأكثرهم مالاً. كما أنها اللبيبة الكريمة. ومن خلالها بصيرتها التي تميزت بها عن سائر أقرانها وأمام هذه الرغبة قام سيد الخلق بعرض الأمر علي أعمامه. فهو سليل بني هاشم وابن عبدالمطلب ويعرف الأصول خاصة في المصاهرة والنسب. وقد استجاب له عمه حمزة بن عبدالمطلب وخرج مع ابن أخيه ودخل علي خويلد بن أسد فخطبها منه.. وعقب هذه الخطبة قال عمها مرحباً: محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب يخطب خديجة بنت خويلد. هذا الفحل لا يقدع أنفه. بمعني أن هذا الخطيب يضرب الريح بأنفه حتي يرتدع ويكفي أنه رمز القوة والكفاءة ولا غرو فهو ابن عبدالمطلب سيد بني قومه. ثم تزوجها رسول الله صلي الله عليه وسلم وعمره خمسة وعشرون عاماً وعمر السيدة خديجة نحو أربعين عاماً. هذا الزواج السعيد كان بداية لرحلة هذه السيدة مع رسول الله صلي الله عليه وسلم فقد كانت الزوجة وقفت بجوار الرسول خاصة بدأ الوحي ينزل علي رسول الله صلي الله عليه وسلم بدءاً بالرؤية الصالحة في النوم فقد كان صلي الله عليه وسلم لا يري رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح وقد تجلي موقفها بجوار الرسول حين جاءها يرتجف فؤاده بعد أن جاءه جبريل عليه السلام ونقل إليه "اقرأ باسم ربك الذي خلق" وحين دخل علي السيدة خديجة فقال زملوني. زملوني. وحيت ذهب عنه الروع أخبر السيدة خديجة وقالت: لقد خشيت علي نفسي فجاء رد السيدة أم المؤمنين مطمئناً قالت: كلا. والله لا يخزيك الله أبداً. انك لتصل الرحم. وتحمل الكل. وتكسب المعدوم. وتقري الضعيف. وتعين علي نوائب الحق. ليس هذا فحسب وإنما أخذت الرسول واتجهت به إلي ورقة بن نوفل وحين أخبر الرسول صلي الله عليه وسلم ورقة بما رآه. قال: إن هذا الناموس كالذي نزل علي موسي وطمأن خاطره ثم أضاف ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك هنا قال الرسول: أو مخرجي هم؟ قال: نعم. لم يأت أحد بمثل ما رأيت إلا عودي. تلك هي الزوجة الوفية تبحث عما يرضي الرسول ويخفف عنه. فقد كانت أول من آمن بالله ورسوله وصدقت بما جاء به فخفف كل ذلك عن رسول الله صلي الله عليه وسلم . لا يسمع منها شيئاً يكرهه انها نعم الزوجة وصدق الشاعر العربي إذ يقول ولو كانت النساء كهذه.. لفضلت النساء علي الرجال. هذه المواقف الطيبة من هذه الزوجة الطاهرة كانت لها آثار في نفس الرسول خاصة أنها أم أولاده جميعاً وكان دائماً يذكرها بكل خير حتي غارت منها السيدة عائشة وتقول رضي الله عنها : كان رسول الله صلي الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتي يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها فذكرها يوماً فأدركتني الغيرة فقلت: هل كانت إلا عجوز. فقد أبدلك الله خيراً منها. فغضب غضباً شديداً ثم قال: لا والله ما أبدلني الله خيراً منها. آمنت بي حين كفر الناس. وصدقتني وكذبني الناس. وواستني في مالها حين حرمني الناس. ورزقني منها أولاداً وحرمني أولاد النساء.. وهنا قالت السيدة عائشة بعد ذلك لن أذكرها بسوء. يكفي السيدة خديجة رضي الله عنها شهادة سيد الخلق انها بحق نموذج لكل بنات حواء بل ونموذج لكل أهل الإيمان.