هو الشيخ عبدالكريم بن هوزان بن عبدالملك بن طلحة بن محمد النيسابوري المعروف بزين الإسلام أبي القاسم القشيري. ولد سنة 376 هجرية. غمض معظم أحداث طفولته ونشأته. عدا وفاة أبيه وهو صغير. وتكفل بتربيته أبو القاسم الأليماني الصديق المقرب لأسرة القشيري. قرأ عليه الأدب والعربية. ثم انتقل إلي نيسابور. حيث أخذ العلم عن كبار علمائها. ورغم المكانة التي أتيحت للقشيري في عصره. فإنه واجه من المحن الكثير. حيث ذاعت حوله أكاذيب. ولفقت اتهامات وطرد بعيداً عن نيسابور لمدة خمس عشرة سنة. أمضاها في بغداد. ثم عاد إلي نيسابور. قضي فيها عشر سنوات يعتبرها مؤرخوه وتلاميذه من أزهي فترات حياته الشخصية والعلمية. ألف الشقيري في الكثير من المجالات لكن الصوفية هي المجال الأرحب في اجتهاداته. اعتبر الرسالة واسطة العقد من بين كتب التصوف. بل إنها في تقدير الكثيرين أفضل وثيقة علمية وتاريخية في موضوعها. لا يدانيها في مستواها كتاب آخر. أما الباعث لتأليف الرسالة فهو ملاحظته أن بعض صوفية عصره ضلوا السبيل. وحادوا عن طريق السلف وأهل السنة. بدأ في تأليف كتابه. بهدف والعودة بالتصوف إلي بدايته. وتخليصه بالتالي مما تسلل إليه من البدع والضلالات.. يقول: "حصلت الفترة في هذه الطريقة. لا. بل اندرست الطريقة بالحقيقة. مضي الشيوخ الذين كان بهم اهتداء. وقل الشباب الذين كان لهم بسيرتهم وسنتهم اقتداء. وزال الورع. وطوي بساطه. واشتد الطمع وقوي رباطه. وارتحل عن القلوب حرمة الشريعة. فعدوا قلة المبالاة بالدين أوثق ذريعة. ورفضوا التمييز بين الحلال والحرام. إلخ". يدعو القشيري في رسالته إلي العودة بالتصوف إلي سابق سيرته. وإلي تطهيره من الأدران التي علقت به. وإقامته علي أساس من الدين.. وأردف بياناً بأصول العقائد الإيمانية التي دان بها الصوفية الأوائل. والقواعد التي أقاموا عليها اجتهاداتهم وأولاها قاعدة التوحيد أصل العقائد كلها. ثم يورد وجهة نظر الصوفية في الربط بين معاني التوحيد الكلامية ودلالاتها الصوفية. ومنها أن معرفة الله سبحانه أول واجب علي المكلف. لأن معرفة المصنوع صانعه تؤدي إلي إدراك الاختلاف بين الخالق والمخلوق. صفاء العبادات لا يتحقق إلا بصفاء التوحيد. أخص معاني التوحيد نفي التشبيه. وإثبات الصفات الإلهية. والإقرار بأن الله وحده هو القديم. وأن كل ما عداه حادث. الإيمان هو تصديق القلب بما يعلمه الشرع من الغيوب. والمؤمن الحقيقي من قدر الله إلا أن يكون مؤمناً. وحكم له بالجنة. ولا يدخل المؤمن الجنة جزاء علي عمله. بل تفضلاً من الله وامتناناً. الله هو خالق الأرواح والأجساد. فالأولي أن يكون خالق الخطرات والحركات التي هي أعراض الأرواح والأجساد. والتوحيد الحقيقي هو معرفتك أن حركات الخلق وسكونهم فعل الله عز وجل لا اتصال علي الحقيقة بين العبد وربه. لا من لا شبيه له لا نظير لا يتصل بمن له شبيه ونظير. ولكن يتصل العبد بربه بمعني أن يلطف الله به عن طريق إيمانه الصحيح.. ووجهات نظر أخري تحدد موقف القشيري من قضية التوحيد. وما يتصل بها من اجتهادات الصوفية وآرائهم. ولا ينسي القشيري أن يفرد قسماً في رسالته. يتضمن رسالة إلي مريديه. وما يجب أن يكون عليه المريد في موقفه من شيخه. ومن أقرانه. ومن الدنيا وأهلها. حتي يستطيع المريد أن يخرج بحصيلة معرفية وروحية. تفيد منها خطواته في طريق الحياة الصوفية الحقيقية في الإسلام. عني الباحثون والدارسون بالرسالة القشيرية منذ وضعها مؤلفها. وألفت في شروحها العديد من الكتب. غلبت علي معظمها النزعات الفقهية المولعة بإخضاع أقوال الصوفية وأفعالهم. بل ومكاشفاتهم وبركاتهم لموازين الفقه الإسلامي. فضلاً عن التقسيمات والتصنيفات والتعريفات والاقتصار علي الحجج العقلية والنقلية. وإصدار الأحكام في حين تشحب. أو تغيب الروحية التي حرص القشيري أن تكون قواماً لرسالته. يبقي أن الرسالة القشيرية احتفظت بقيمتها عبر العصور. ومن خلال الكثير من محاولات التقلب والتأمل والدراسة كسجل للحياة الصوفية في الإسلام ولتجارب كبار الصوفية منذ نشأتها. حتي نهاية القرن الخامس الهجري.