هذا الرجل الصالح ورد في سورة "يس" وهو المعني بقول الله تعالي: "وجاء من أقصي المدينة رجل يسعي" وقد كان من أهل قرية أنطاكية الذين أرسل الله إليهم ثلاثة رسل. فلما أراد أهل القرية أن يقتلوهم جاءهم هذا الرجل الصالح من أقصي المدينة ليأمرهم بطاعتهم. وينهاهم عن قتلهم. وهذا الرجل كان يعمل الحرير "وهو الحباك" وقد كان مريضا. وكان كثير الصدقة. لدرجة أنه كان يتصدق بنصف كسبه. مستقيم الفطرة. يحض قومه علي طاعة الرسل. ويقول لهم: إن هؤلاء الرسل لا يسألونكم أجراً علي دعوتكم للخير. وهم في أنفسهم مهتدون وأسوة صالحة "يا قوم اتبعوا المرسلين "20" اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون" أي أن أحوالهم مستقيمة. ولا يخالفون ما ينصحونكم به. ثم يستطرد قائلا: "وما لي لا أعبد الذي فطرني واليه ترجعون" أي وما يمنعني من اخلاص العبادة لله الواحد الأحد الذي خلقني. وهو الذي ترجعون اليه فيحاسبكم علي أفعالكم. إن خيراً فخير. وإن شراً فشر؟ ثم يوبخهم قائلا: "أأتخذ من دونه الهة ان يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون "23" اني اذا لفي ضلال مبين" أي أن هذه الالهة المزعومة لا تملك لي نفعا ان أرادني الله بسوء. ولئن عبدتها من دونه أكون بذلك قد ضللت ضلالاً مبيناً. وبعد أن تدرج في اقناعهم أعلن اسلامه صراحة مخاطبا الرسل الثلاثة. فقال: "اني آمنت بربكم فاسمعون" فقام اليه قومه فقتلوه شر قتلة. قال ابن مسعود: "انهم وطؤوه بأرجلهم حتي خرجت أمعاؤه من دبره" فكان جزاؤه أن بشره الله بقوله: "ادخل الجنة" فلما رأي الأجر العظيم الذي أعده الله له قال: "ياليت قومي يعلمون "26" بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين" فانظر إلي صلاح هذا الرجل. لقد أراد لقومه الخير حياً وميتا. ثم انتقم الله بعد ذلك من الذين قتلوه وكذبوا الرسل "وما أنزلنا علي قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين" أي أن الله لم ينزل عليهم جنوداً من السماء لتنتقم منهم. بل إن الأمر أسهل من ذلك "ان كانت إلا صحية واحدة فإذا هم خامدون" فأهلك الله الملك وأهل القرية أجمعين بصيحة واحدة من جبريل بعد أن أخذ بعضادتي باب قريتهم. ثم صاح فيهم فأبادهم جميعاً.