تستعد هيئة قصور الثقافة لافتتاح عدد من المنشآت الثقافية المهمة خلال أيام. منها علي سبيل المثال قصر ثقافة الأنفوشي. أحد أكبر وأهم قصور الثقافة في مصر. والذي ظل مغلقاً أكثر من خمس سنوات للترميم والتطوير. وكذلك مسرح البلدية في طنطا الذي يعد واحداً من أعرق وأقدم وأكبر القصور في مصر. وقد آل المسرح لهيئة قصور الثقافة بعد صراع مع محافظ طنطا السابق الذي اتخذ قراراً من تلقاء نفسه بتخصيص المسرح لدار الأوبرا. مع أن مدينة طنطا بأكملها لاتمتلك قصراً واحدا للثقافة. المهم أن هناك العديد من المواقع الثقافية المهمة سيتم افتتاحها خلال أيام. سواء كانت مواقع جديدة. أو مواقع قديمة كانت تخضع للإحلال والتجديد. لكن هل يكفي افتتاح مثل هذه المواقع التي تكلفت مئات الملايين من الجنيهات لإحداث حالة حراك ثقافي في الأقاليم؟ الواقع يؤكد أن ذلك لايكفي. فالأهم من المكان هو من يدير المكان. ولنأخذ مثالاً بمسرح طنطا الذي تم تجهيزه علي أحدث مستوي. فمعلوماتي تؤكد أنه لايوجد بين العاملين بقصور الثقافة في الغربية من تدرب علي إدارة مثل هذا المسرح وتشغيله. من حيث الصوت والإضاءة وإدارة الخشبة. فكيف سيعمل المسرح إذن بكفاءة دون وجود مثل هذه العناصر المهمة التي بدونها سيتم تدمير المسرح وتعطيل أجهزته. ولنا في مسرح قصر ثقافة الاسماعيلية أسوة غير حسنة. نفس الأمر يحدث في قصر ثقافة دمنهور الآن. مازال القصر قطعة أرض حصلت عليها الهيئة بعد صراع أيضاً. وقد تم إسناد بناء القصر للقوات المسلحة. لكن معلوماتي تؤكد شيئين. الأول أنه لم يتم الاستعانة باستشاري متخصص في بناء المسارح. أغلب مسارح قصور الثقافة يتم بناؤها دون وجود استشاري متخصص في عمارة المسارح. وهو أمر كارثي. فمثل هذه الأبنية إذا لم تتم تحت إشراف متخصص في عمارة المسرح تحدث بها أخطاء فادحة. أما الأمر الثاني فإن الهيئة لم تبادر بالاستعداد لافتتاح القصر بتدريب مجموعة من العاملين علي إدارة المسرح وتشغيله. ومع إن هناك إدارة اسمها التدريب فإن شيئا من ذلك لم يحدث. فلماذا لايبادر رئيس الهيئة د. سيد خطاب من الآن ويخصص دورات تدريبية سواء للعاملين في فرع ثقافة البحيرة أو فرع ثقافة الغربية حتي إذا بدأ الموقع نشاطه يكونوا مستعدين لإدارته بكفاءة. وبعيداً عن المنشآت فإن الهيئة التي تعاني من تضخم أعداد موظفيها. يبدو أنها حتي الآن غير جادة في انتقاء مجموعة من المثقفين العاملين لديها وتصعيدهم إلي مواقع القيادة بغض النظر عن درجاتهم الوظيفية أو حتي مؤهلاتهم العلمية. فمعلوماتي أن هناك موظفين حاصلين علي دبلومات. لكنهم علي درجة من الوعي والثقافة والإيمان بأهمية العمل الثقافي. تمكنهم من تحقيق نجاحات يعجز عن تحقيقها أصحاب المؤهلات العليا الذين خرب بعضهم الثقافة. إما بفعل الجهل أو الكسل أو بفعل عدم الإيمان بقيمة وأهمية عملهم. أو حتي بفعل تحريمهم للعمل الثقافي. نعم هناك موظفون في قصور الثقافة يحرمون العمل الثقافي ويعتبرون أن الميزانيات التي تنفق عليه إهدار للمال العام. أما رواتبهم فليست إهداراً للمال العام ولاحاجة.. بعضهم عقب ثورة يناير طالب بإلغاء معظم الأنشطة وتخصيص الميزانيات التي تنفق عليها كحوافز لهم. سألوهم إذا كانت مهمة الهيئة هي إقامة الأنشطة الثقافية ولم تقيمها فما دوركم إذن؟ قالوا نوقع " حضور وإنصراف"!! الخبرة والكفاءة دعك من التقارير التي تقدمها الجهات الرقابية وتشير فيها إلي أن هناك بعض أصحاب المؤهلات المتوسطة الذين يديرون المواقع الثقافية. فالعبرة ليست بالمؤهل العلمي بقدر ماهي بالخبرة والكفاءة والرغبة في تقديم عمل ثقافي جاد ومحترم. وعلي وزير الثقافة الكاتب حلمي النمنم أن يدرك ذلك ويدافع عنه. وكذلك رئيس الهيئة د. سيد خطاب.. نحن أمام عمل ثقافي ولسنا في هيئة الصرف الصحي أو مصلحة البريد. ومايسري علي الموظفين في البريد والصرف الصحي والتليفونات والكهرباء وغيرها في شأن الدرجات الوظيفية لايجب أن يسري بأي حال من الأحوال علي العاملين بالثقافة. أزمة قصور الثقافة أنها مثل الجسد المتضخم الذي بدون رأس. والرأس في ظني هي مجموعة الخبرات التي تضمها الهيئة والتي لم تأخذ فرصتها حتي الآن. إما بسبب اللوائح والقوانين. وإما بسبب تعمد تجاهلها لأنها جادة وتريد أن تقدم شيئا نافعا للوطن. أعتقد أن مهمة د. سيد خطاب رئيس الهيئة صعبة للغاية. فهناك ميراث ثقيل تراكم عبر سنوات عديدة. والتخلص منه ليس سهلا لكنه ليس مستحيلا. تجولت خلال الفترة الأخيرة في عدد من مواقع قصور الثقافة. وشاهدت مايعانيه المثقفون والفنانون مع المسئولين في هذه المواقع. هناك حالة لامبالاة بالعمل الثقافي. أغلب العاملين بقصور الثقافة غير منشغلين بتوصيل الثقافة إلي مستحقيها. وكل مايشغلهم تستيف الأوراق والمطالبة بالمكافآت والحوافز والبدلات. ربما تكون هذه المطالبات من حقهم في ظل غلاء المعيشة.ولكن ألا يجدر بهم العمل بجدية لأداء رسالتهم المهمة؟ الواقع يؤكد أن هناك كثيرين غير جادين وغير مهتمين بالعمل الثقافي وغير مدربين علي كيفية التواصل مع الناس. وبعضهم يفتقد الخيال تماماً. فكيف نأمن علي الثقافة في ظل وجود هؤلاء؟ لقد أوصي الرئيس عبدالفتاح السيسي بالاهتمام بقصور الثقافة لإدراكه أهميتها وضرورتها. وياليت الرئيس يوصي أيضاً بزيادة ميزانيتها. فكما قلنا وقال الجميع من قبل إن الإنفاق علي الثقافة لايقل أهمية عن الإنفاق علي تسليح الجيش أو دعم الخبز. بدون الثقافة فإن أي جهود تبذلها الدولة لإحداث التنمية لن تنجح إلا إذا كانت الثقافة هي القاطرة التي تقودها.. هل يعقل أن ميزانية النشاط في قصور الثقافة تبلغ 30مليون جنيه فقط. في حين يتقاضي القائمون علي هذا النشاط حوالي400مليون جنيه. لاأطالب طبعا بتخفيض أجور العاملين في الهيئة فهي لاتكاد تسد الرمق. لكني أطالب بزيادة ميزانيات النشاط التي يجب أن تتضاعف عشرات المرات حتي تستطيع الهيئة أداء رسالتها علي الوجه الأكمل. أما العاملون بقصور الثقافة فإذا لم يدركوا أهمية درهم وإذا لم يعملوا بما يرضي الله فلا أمل في أي شئ. والواقع يؤكد أن هناك كثيرين منهم في حاجة إلي إعادة تدريب وتثقيف حتي يصبحوا مؤمنين بأهمية عملهم وقادرين علي إنجازه بشكل جيد وليس مجرد تستيف أوراق وخلاص. الناس في الأقاليم ابتعدت عن قصور الثقافة لأن العاملين بهذه القصور غير مشغولين بالتواصل معهم وغير حريصين علي تقديم مايلبي احتياجاتهم. ليسوا جميعا بالتأكيد لكن الغالبية منهم تفعل ذلك. أعرف أنهم يعملون في ظروف صعبة وفي ظل إمكانيات محدودة ومواقع خربة. لكن عليهم أن يبحثوا عن بدائل لتقديم أنشطتهم. هل يعقل مثلاً أن يقدم النشاط المسرحي في أغلبه بعيدا عن المواقع والمواطنين الذين أقيم من أجلهم. وهل يعقل أن تقدم الفرق المسرحية عروضاً لاتنشغل إطلاقاً بطبيعة الناس الذين تتوجه إليهم.. وهل يعقل أن ننفق كل هذه الأموال علي النشاط المسرحي الذي يقدم علي عجل وبدون خطة أو هدف سوي تستيف الأوراق.. أعتقد أن رئيس الهيئة يعلم ذلك جيداً. وعليه أن يعمل فوراً علي إصلاح هذه الأحوال المعوجة حتي تعود الهيئة إلي سابق عهدها" ثقافة جماهيرية" بالفعل؟