لم تكن المرة الأولي التي أذهب إليها في مقر عملها بالقرية الذكية. لكن هذه المرة كانت مختلفة. فجهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية الذي ترأسه. أكمل عامه العاشر. الذي واكب حملة حكومية ضد ارتفاع أسعار سلع أساسية. وضد الاحتكار "بحسب تسمية الحكومة" وهو ما أثار تساؤلات الكثيرين هل تقوم بعض أجهزة الحكومة بدور الجهاز. وهل هناك بالفعل ممارسات احتكارية في أسواق الغذاء أو السلع الأساسية. ولماذا لم تلجأ الحكومة إلي الجهاز الذي يسمح قانونه للحكومة بتسعير بعض السلع الأساسية لبعض الوقت إذا اقتضت الحاجة ذلك. بدلاً من اللجوء إلي إجراءات قد تتعارض مع مواد القانون؟ هذه التساؤلات وغيرها طرحتها علي الدكتورة مني الجرف التي تولت مسئولية الجهاز منذ ما يزيد علي ثلاث سنوات تم خلالها ادخال تعديلات جوهرية علي قانون حماية المنافسة العام الماضي. تهدف إلي زيادة فعاليته واستقلاليته وتغليظ عقوباته. إلي جانب تعديلات أخري في الطريق لا تقل أهمية عن تعديلات 2014 تنتظر مجلس النواب الجديد. وعلي الرغم من أهمية هذه التعديلات التي تتعلق بملف الاندماج والاستحواذ في السوق والتي تزايدت حالاته خلال السنوات الأخيرة. إلا أن الدكتورة "مني الجرف" تري انها لن تكون في مقدمة التشريعات المطروحة علي البرلمان لأن الجهاز بحالته الراهنة من نقص في الكوادر الفنية سيكون غير قادر علي تنفيذ هذه التعديلات. قالت "الجرف": ان قضية حماية المنافسة ليست واضحة بالقدر الكافي لدي الأجهزة التنفيذية فما بالنا بالمواطن العادي وان كان هذا المواطن قد بدأ يدرك مؤخراً قضية المنافسة والاحتكار. وتقدم العديد من المواطنين العاديين بشكاوي في هذا المجال. صحيح ان بعضها كان خارج نطاق القانون لكننا تعاملنا معها من خلال التنسيق مع الأجهزة الحكومية مثلما حدث في قضية الزي المدرسي حيث طالبنا وزارة التربية والتعليم بمخاطبة المدارس بعدم قصر بيع الزي المدرسي علي مصانع بعينها. أما بعض الجهات الحكومية فيقوم بإعداد قوانين لها تأثير علي المنافسة ليناقشها مجلس الوزراء دون العرض علي الجهاز علي الرغم من ان هذا حق أصيل للجهاز ينص عليه القانون. صحيح هذا ليس سانداً في كل الأحوال فأحياناً يتم العرض علينا وأحياناً لا فعلي سبيل المثال لم يعرض علينا قانون الاستثمار كما صدر في صورته الأخيرة وما عرض علينا كان المسودات الأولي فقط. أما قانون حماية المنتج المحلي فقامت وزارة الصناعة والتجارة بعرضه علينا قبيل صدوره. محاربة الاحتكار * تتحدث بعض الوزارات عن الاحتكار وضرورة محاربته وأعلنوا عن اجتماعات وإجراءات لمحاربة الاحتكار. هل تتسق معكم هذه الوزارات مثل التموين أو الداخلية في هذا الصدد؟. ** كل الناس تتحدث الآن عن محاربة الاحتكار بعيداً عن الجهاز المعني بهذه القضية. ودون تنسيق معه والقانون لا يجرم الاحتكار ولكن يجرم الممارسات الاحتكارية. وأي جهاز حكومي لديه اتهامات لجهات بعينها يجب أن تبلغ الجهاز بذلك لبحث الأمر. * تحدث بعض كبار المسئولين في الغرف المغلقة أحياناً وفي العلن أحياناً أخري عن قلة من المنتجين والمستوردين تحتكر سوق الغذاء وهو ما يؤدي إلي ارتفاع أسعاره. هل درس الجهاز ذلك؟. ** وفقاً لقانون الاحتكار ليس جريمة ويحدد القانون الوضع المسيطر في السوق بنسبة 25% لكنه لا يمنع تجاوز ذلك في حين يحظر علي أصحاب الوضع المسيطر في أي قطاع علي القيام بأفعال معينة من بينها عدم القيام بما من شأنه أن يؤدي إلي عدم التصنيع أو الانتاج أو التوزيع لمنتج لفترة زمنية معينة. أو الامتناع عن إبرام صفقات مع أي شخص أو وقف التعامل معه بما يؤدي للحد من حريته في دخول السوق أو الخروج منه في أي وقت أو التمييز بين بائعين أو مشترين تتشابه مراكزهم التجارية في أسعار البيع أو الشراء أو في شروط التعامل أو بيع منتجات بسعر يقل عن تكلفتها الحدية أو متوسط تكلفتها المتغيرة. وفي العديد من القطاعات خاصة الغذائية هناك عدد قليل من المنتجين فإذا قام أحدهم برفع سعر منتجه يتبعه الآخرون. وطالما انه لا يوجد ما يحول دون دخول أي منتج جديد أو مستورد السوق فهذا العدد القليل لا يعد احتكاراً والجهاز في حالات رفع الأسعار يبحث أسباب هذا الرفع فإذا كانت هناك أسباب اقتصادية خاصة بعوامل التكلفة أو زيادة الخدمات فليس هناك مشكلة. أما إذا كانت ناتجة عن ممارسات غير مشروعة مثل اتفاقيات المنافسين أو الاتفاق بين المنتج وموزعيه أو إساءة الوضع المسيطر فهذه التصرفات يجرمها القانون. ويتناولها الجهاز بالتحقيق. * هل جميع الاتفاقيات مجرمة ويعاقب عليها قانون حماية المنافسة؟ وما موقف تصريحات وزير التموين خالد حنفي من قصر توريد السلع للمجمعات الاستهلاكية والبقالين التموينيين علي الشركة القابضة للمنتجات الغذائية؟ ** ما تقوم به الحكومة أو إحدي وزاراتها مثل حالة وزارة التموين للمصلحة العامة والمواءمة السياسية خارج نطاق قانون حماية المنافسة. أيضا في بعض الحالات يتم استثناء الاتفاقات مع المنافسين "الاتفاقية الأفقية" من الخضوع للقانون إذا كانت تحقق منافع قومية. فمثلاً وثيقة التأمين التي تصدرها بعض شركات التأمين بالتعاون فيما بينها مثل وثيقة التأمين علي ركاب السكة الحديد أو وثيقة التأمين المجمعة علي محطات الطاقة النووية. والتأمين علي رجال الشرطة. أما في حالة التأمين التكميلي علي السيارات والتي حققها الجهاز وثبت فيها وجود اتفاق بين الشركات علي رفع أسعار الوثيقة أو زيادة نسبة تحمل المستهلك. فقد قامت هيئة الرقابة المالية بالاستجابة الفورية للجهاز. وقامت بتوزيع منشور علي شركات التأمين بضرورة التوافق مع القانون. * هل طلبت الحكومة من الجهاز استخدام المادة رقم 10 الخاصة بالتسعير الجبري للسلع الأساسية في ظل أزمات ارتفاع أسعار السلع خلال الفترة الماضية؟ ** الحكومة لم تطلب استخدام هذه المادة. وقد أرسلنا لمجلس الوزراء مذكرة بهذه المادة ونطلب منه إذا كان هناك اتجاه لتثبيت سعر سلعة فيجب اخطار الجهاز. إلا أن الاتجاه الحالي لدي الحكومة هو زيادة المعروض من السلع وتشجيع الانتاج. ونحن نشجع ذلك ولا نشجع تثبيت أسعار السلع حماية للمنافسة. قضية النساجون * كانت قضية الأسمنت التي قضي فيها بالغرامة علي شركات الأسمنت أشهر قضايا الجهاز خلال سنواته الأولي. فيما يعتبر البعض قضية النساجون الشرقيون الأشهر خلال السنوات الأخيرة. ماذا تم في هذه القضية حتي الآن؟ ** البعض يعتبرها كذلك لضخامة الشركة أو شهرتها. ولكن هناك قضايا أخري مهمة مثل قضية شركات الأدوية التي تمت إحالتها للنيابة وقضية النساجون حالياً في النيابة للتحقيق في الممارسات الضارة بالمنافسة والتي أثبتتها تحقيقات الجهاز بعد أن رفضت الشركة شروط التصالح وفقاً للوثيقة التي أعدها الجهاز رغم ان الشركة هي التي طلبت التصالح في القضيتين الأولي التي تم احالتها للنيابة. والقضية الثانية التي يتم التحقيق فيها حالياً. * شهدت الفترة الأخيرة العديد من حالات الاندماج والاستحواذ علي شركات مصرية سواء من جانب شركات أجنبية أو محلية. خاصة في قطاعي الغذاء والصحة. هل يتابع الجهاز هذه الحالات ومدي تأثيرها علي مناخ المنافسة؟ ** القانون الحالي لا يسمح سوي بإخطار الجهاز فقط بعد اتمام حالة الاندماج أو الاستحواذ دون أن يكون له الحق في الموافقة أو الرفض. والتعديلات التي انتهي الجهاز من دراستها ووافق عليها مجلس إدارته يلزم الشركات بأخذ موافقة الجهاز كشرط لا تمام الصفقات ومن حق الجهاز رفض الصفقة إذا رأي انها تمس بالمنافسة داخل القطاع أو تخلق أوضاعاً مسيطرة يمكن إساءتها. وتلزم التعديلات الجهاز بالرد علي الشركات خلال فترة محددة قد تصل إلي ستة أشهر وإذا لم يرد خلالها يكون من حق الشركة تنفيذ الصفقة. دور الدولة * هل تدرسون الجوانب الاجتماعية لهذه الصفقات التي قد تؤثر علي أسعار السلع والخدمات أو مدي توافرها من عدمه؟ ** هذا ليس دور الجهاز ولكن دور الدولة ومسئوليتها. من خلال الرؤيات والسياسات التي تعمل من خلالها فقد تري ان صفقة ما تضر بالسوق خاصة في مجال السلع الاستراتيجية. وعليه فمن حقها رفض هذه الصفقة ومنعها. وقد تري الدولة انها في حاجة إلي كيان قوي في قطاع معين فيكون قرارها إتمام الصفقة. وعلي الرغم من ذلك فهناك توجه من الجهاز لدراسة بعض حالات الاستحواذ التي تمت ومعرفة آثارها علي القطاعات التي تمت فيها. ونقوم بالفعل بعمل دراسة في قطاع الصحة بعد حدوث بعض الصفقات علي مستشفيات ومعامل تحليل. * وهل سيتم طرح التعديلات الجديدة خلال الجلسات الأولي للبرلمان الجديد؟ ** لسنا متعجلين هذا الأمر فهناك الكثير من مشروعات القوانين ذات الأولوية التي سيتم طرحها خلال دور الانعقاد الأول. ومن ناحية أخري نحن في انتظار تزويد الجهاز بالكوادر الفنية القادرة علي تحمل مسئولية تنفيذ هذه التعديلات. فالعاملون بالجهاز لا يتجاوز عددهم 45 من بينهم 13 فنياً فقط وذلك بعد رحيل نحو 10 من الكفاءات بسبب لوائح العمل الحكومية. * هل يعد دعم المصدرين من العوامل التي تؤثر علي مناخ المنافسة؟ ** هذا إجراء حكومي لا يخضع لقانون حماية المنافسة لأنه يتعلق بسياسات الدولة. وقد طلب منا الاتحاد الأوروبي في إطار مشروع التوأمة الحالي مع الجهاز ادراج قضية الدعم ضمن الممارسات غير المشروعة ولكن الجهاز رفض ذلك لانها سياسات حكومية تتعلق بمصالح الاقتصاد القومي.