فاز فيلم "البحر الأبيض المتوسط" الإيطالي للمخرج جوناس كاربينيانو بجائزة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الأخيرة. إنه أحد الأفلام التي تقوم علي مغامرة الهجرة والهروب من الموطن الأصلي إلي حيث يوجد حياة أفضل وإمكانيات أكثر للعمل والعيش بكرامة وهو من إنتاج .2015 وموضوع "الهجرة" في السينما من أقدم الموضوعات التي تعكس حالة الإنسان في البحث عن مقومات الحياة حين تقسو عليه ظروف العيش باختلاف مظاهرها ولا يجد حياة إنسانية مُرضية في بلاده. ومن أوائل الأفلام فيلم "المهاجر" ¢The Immi Grant" وهو فيلم قصير من بطولة شارلي شابلن أنتج عام 1917 ويستغرق عرضه 30 دقيقة.. بطل الفيلم "شارلي" يقطع رحلة طويلة حيث يواجه العديد من المتاعب حتي يصل إلي أمريكا حيث العالم الجديد الذي شهد أفواجا من المهاجرين من شتي أنحاء العالم. ومن أجمل التجارب التي عالجت هذا الموضوع بأسلوب فني فيلم "راقصة في الظلام" 2000 للمخرج الدنماركي لارس فون تريبر وبطولة بيورك وكاترين دينيف ويتناول قصة امرأة تسافر إلي أمريكا بصحبة ابنها الصغير وفي خيالها الصورة الحلوة التي صنعتها هوليوود عن أرض الأحلام. معظم الأفلام التي تناولت موضوع الهجرة إنتهت بانقشاع الوهم. وزوال الصورة المتوقعة للبلد الذي تصوره المهاجر. سواء أكانت بلاد المهجر أمريكا و"الحلم" الذي سكن خيال الآلاف خصوصا مع بدايات القرن العشرين. أو سواء كانت بلدان أوروبا هي المرفأ المقصود. "جنة الغرب" ظلت دائما حلم الأفارقة وبالذات في البلاد التي استعمرتها فرنسا أو تلك التي احتلتها بريطانيا إذ ظلت تراود أبناء هذه المستعمرات وقد شاهدنا العديد من الأفلام ذات الإنتاج المشترك بين دول شمال أفريقيا "المغرب - الجزائر - تونس" وبين الدول الأوروبية التي تتناول هذا الموضوع المركب والشائك والذي تحول الآن إلي مشكلة كبيرة وأزمة محتدمة خصوصا بعد "ثورات" الربيع العربي ونزوح الآلاف من المهاجرين بحثا عن مأوي وملاذ وقد صار هناك سماسرة يتاجرون بحلم الهجرة ومراكز لتجميع المهاجرين ودول تتحول إلي "مرفأ" مؤقت أو محطة ترانزيت لنقلهم إلي بلاد العالم المتقدم. وتتسع هذه الأفلام مثل الفيلم الفائز "البحر الأبيض المتوسط" لمشاهد من العنف والمغامرات الخطيرة. والصدام الضاري من أجل الاستمرار علي قيد الحياة. مثلما تنطوي علي حكايات عاطفية مأساوية. وشحنات من المشاعر الضاغطة فضلا عن عناصر المغامرة ومن هذه النوعية أيضا فيلم "يوم الأحد إن شاء الله" 2001 ويتناول قصة امرأة تواجه التقاليد الجائرة والراسخة منذ دهور فتفكر في هجر موطنها وأسرتها وزوجها إلي بلاد الغرب الأوروبي.. والفيلم من إخراج يامينا بنجوجي عن قصة لنفس المخرجة وهي فرنسية مغربية الأصل "مواليد 1957 في مدينة ليل الفرنسية". مثل هذه الأعمال تمتلئ بالقصص غير المعتادة وبالظروف التي تُولِد حالة الاغتراب ومن الصعوبات المرتبطة بفكرة الرحيل والقطع مع "الجذور" وبناء علاقات جديدة مع المكان والناس. وعادة ما تدور الأحداث في الأماكن الخارجية. بعيدا عن الجدران وعن البيوت والأماكن المغلقة. ومن أكثر الأعمال المرتبطة بموضوع الهجرة تلك التي ارتبطت بالمهاجرين الإيطاليين الأوائل الذين هاجروا إلي الولاياتالمتحدة وكونوا عصابات وثروات وشقوا طريقهم عبر الجرائم المنظمة ومنها علي سبيل المثال فيلم "عصابات نيويورك". وكذلك عصابات الأيرلنديين الأوائل ومحاولات التأقلم مع ظروف الحياة الخشنة في أمريكا ومنها فيلم "في أمريكا" "In America) "2002".. أيضا من الأعمال الجميلة فيلم "الطائرة الورقية" "2007" الذي يتناول حياة مهاجر استقرت حياته في ولاية كاليفورنيا ولكنه يقرر العودة إلي بلاده أفغانستان لمساعدة صديق قديم يواجه أزمة إنسانية بسبب ابنه. "فالهجرة" حالة إنسانية أزلية تصيب الفرد أو الجماعة حيث لا يكف الإنسان عن الترحال منذ بداية الخليقة. ومع تراكم تعقيدات الظروف الحياتية والأزمات الناجمة عن الصراعات المحتدمة بين الأجناس والشعوب. وطالما بقيت محنة الخلاص من أثقال الحياة وتبعاتها ضرورة سوف يظل موضوع الهجرة نبع لا ينضب من الحكايات المأساوية والكوميدية والميلودرامية المغرقة في المشاعر الحزينة. والمشحونة بالتوقعات والمغامرة والإثارة.. ولعل ميزة الفيلم الفائز في الدورة الأخيرة لمهرجان "البحر الأبيض المتوسط" أنه يطرح قيمة التسامح وتحمل الآخر الإنسان. واللافت أن هذا العنوان نفسه يشير إلي فيلم إيطالي قديم كوميدي جميل حصل عام 1991 علي جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي وكانت أحداثه تدور أثناء الحرب العالمية الثانية وتتناول قصة فصيلة من الجنود الإيطاليين ضلوا طريقهم فوق جزيرة يونانية.. مع عشرات الأفلام التي تناولت موضوع الهجرة ظل البحر الأبيض المتوسط شاهدا وقاسما مشتركا في كثير من الأعمال التي تناولت موضوع الهجرة للغرب الأوروبي أو للعالم الجديد الأمريكي.