3 أفلام ب«القاهرة السينمائى» ليس أمام أبطالها إلا الموت أو العودة من حيث أتوا هربا من جحيم الحروب والصراعات، أو فرارا من أمراض الفقر فى بلدان نهبها الاستعمار لسنوات، قبل أن تجهز حكوماتها الوطنية على البقية الباقية من ثرواتها، يرحل المهاجرون من بلدان آسيا وإفريقيا إلى الغرب بطرق مشروعة فى نادر الحالات، وبوسائل غير مشروعة فى غالبية الأوقات، عل المنهكين من قسوة الحياة يجدون لهم مرفأ، أو رصيفا يرتاحون على أحجاره القاسية. رحلة طويلة عبر الفيافى والصحارى الموحشة، والبحار الهائجة فى مراكب غير صالحة، يقطع المهاجرون أياما، وأحيانا شهورا، قبل أن يصلوا إلى الجنة الأوروبية الموعودة، لكنها تأبى إلا أن تزيد عذاباتهم، فإما الموت، أو العودة الكسيرة إلى الأوطان الضائعة، هذا ما سعت إلى تقديمه ثلاثة أفلام عرفت طريقها إلى عروض مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، عاكسة فى الوقت ذاته هواجس الأوربيين من مأساة المهاجرين حتى من قبل أن يحطوا رحالهم على أرضهم. أول هذه الأفلام يأتى من فرنسا «العاصفة» اخراج فابريس كارموين، ورغم أن الفيلم لا يدور عن قضية الهجرة بشكل مباشر غير أنه يضع المهاجرين فى صلب الأحداث، حيث تسافر سيدة فرنسية مع عائلتها إلى أسبانيا ولكن عاصفة عنيفة تهب عند وصولهم، وتجبرهم على البقاء فى مخبأ فى مدينة صغيرة على الحدود. أثناء بحث العائلة عن مكان يقضون فيه الليل يعرفون أن شرطة المدينة تطارد شخصا قام بقتل امرأة وعشيقها، وفى الليل تكتشف ماريا القاتل (المهاجر المغربى نبيل مالك) الذى يختبئ فوق سطوح الفندق الذى تقيم فيه وتقرر مساعدته على الهرب. ووسط مطارت الشرطة للعربى القاتل تأخذنا الكاميرا، إلى مكان على أطراف الضواحى يأوى عددا من المهاجرين من بلدان المغرب العربى الذين يوحى المخرج بأنهم مجموعة من المجرمين، حاول مالك الاحتماء بهم، بعد وصوله بمساعدة ماريا التى كانت تبحث عن «مغامرة» للهرب من حياة شبه بائسة مع ابنه وزوج ليست على توافق معه. يهرب مالك مرة أخرى عندما تصل الشرطة إلى مكان اختبائه برفقة ماريا، صوب المغرب عبر جنوب إسبانيا، لكن عناصر الأمن تدركه قبل أن يقرر القفز من فوق بقايا قلعة قديمة إلى البحر خوفا من الاعتقال ليموت شبه منتحر، وتعود السيدة الفرنسية من مغامرتها إلى شاطئ وديع حيث كان الزوج والابنة فى انتظارها، فى نهاية منطقية لأحلام أوروبية بالتخلص من كابوس المهاجرين. ولأن قضية الهجرة تمثل هاجسا حقيقيا للأوروبيين، يأتى الفيلم الفرنسى» ديبان Dheepan»، إخراج « جاك اوديار»، ليغوص هو الأخر فى قضية المهاجرين.. يروى الفيلم الحاصل على السعفة الذهبية فى مهرجان «كان» الأخير،عن مقاتل سابق من نمور التاميل فى سيريلانكا، فقد أسرته فى الحرب الأهلية، فكون عائلة مزيفة من وامرأة شابة (ياليني) وطفلة يتيمة (إيلايال) لتسهيل الهجرة إلى فرنسا . ينتهى الأمر بالعائلة المزيفة إلى العيش فى حى سكنى للمهاجرين العرب على أطراف باريس، حيث (لاحظ) المكان مستنقع للجريمة ورجال العصابات التى تتناحر فى غياب تام للشرطة، فيضطر ديبان الذى تسلم عمله الجديد كحارس عقار، إلى العودة مكرها إلى العنف بعد أن تقع يالينى رهينة زعيم عصابة يقاتل منافسيه. الكاميرا بمقدار تعاطفها مع ديبان، لكنها تضع البطل، ومن ثم المشاهد، أمام زيف حلم الهجرة، قبل أن يدخل فى معركة حربية بمفرده مع جيش من رجال العصابات، لتخليص «يالينى» من قبضتهم، ليواصل الهرب إلى مكان جديد، كان بريطانيا هذه المرة. فى المحطة الأخيرة لثلاثية هواجس الهجرة الارووبية يأتى الفيلم الايطالى «البحر الابيض المتوسط MEDITERRANEAN»، سيناريو واخراج جوناس كاربينيانو، ليجسد مأساة المهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون بحرا إلى البلدان الأوروبية، بعد رحلة عذاب حقيقية فى الصحارى الأفريقية. من بوركينا فاسو ينطلق الصديقان «إييفا وعباس» فى رحلة عبر الصحراء والبحر من بوركينا فاسو إلى جنوبايطاليا بحثا عن حياة أفضل، لكنهما عند وصولهما مدينة «روزارنو»، يتبخر حلمهما، فالمشاهد التى برع المصور «وايات جارفيلد»، فى تقديمها سواء خلال الرحلة فى الصحراء الإفريقية لقافلة المهاجرين والأهوال التى تقابلها فى البحر الهائج، وسط ضباب الكثيف والبرق والرعد، مهدت لواقع مرير فى انتظار الباحثين عن الحلم الاوروبى المحرم. يكتشف إييفا وعباس أن تفاصيل حياة المهاجرين فى الخارج لا تشبه بالمرة ما حلما به.. يحاول إييفا التكيف مع التحديات الصعبة فى الواقع المرير، عبر الأنغماس فى عمل شاق باحدى مزارع البرتقال، بينما تزداد خيبة أمل عباس من واقعه الأليم، قبل أن يقع ضحية الكراهية والعنصرية التى تحيط بالمهاجرين من شباب الحى الإيطالى الفقير. بعد معركة دامية بين المهاجرين والايطاليين، لا يترك الفيلم مجالا أمام الافارقة البؤساء، سوى الموت بلا معنى، أو العودة إلى بلدانهم، وفى مشهد مؤثر يقرر إييفا، أن يعود إلى بوركينا فاسو بمجرد تماثل عباس للشفاء من اصابته التى خلفها اعتداء الإيطاليين المتعصبين. هذه هى الرسالة التى سعت الثلاثية إلى توصيلها للمشاهدين، وخاصة الحالمين بالهجرة إلى الفردوس الاوروبية الملعونة: لا مكان لكم فى القارة العجوز إلا الموت، أو العودة لأوطانكم خائبى الرجاء.. والخيار لكم!! فيلم البحر الابيض فيلم العاصفة