غضبت السلطات الجزائرية من المخرج الجزائري المرموق مرزاق علواش "مواليد 6 أكتوبر 1944" بسبب اشتراكه في مهرجان حيفا الاسرائيلي بفيلمه "مدام كوراج" وغضب بدوره المخرج المرموق. واعتبر ذلك إستبدادا وديكتاتورية وأصر علي المشاركة بغض النظر عن أنها تعني شكلاً من أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني. قال علواش في مجمل رده علي طلب سحب فيلمه من المهرجان الذي انتهي يوم 5 أكتوبر الماضي "إنه كمخرج وكفيلم" لا يمثلان الدولة الجزائرية وأنه قرر منذ زمان عدم الدخول في نقاش عقيم مليء بالكراهية "ضدمن؟؟!!" وأنه بسبب الموقف الرسمي المتسلط وجد نفسه مضطراً للرد. مرزاق علواش مخرج جزائري- فرنسي يعيش متنقلاً بين الوطنين- الجزائري والفرنسي- ويسافر بأفلامه المطلوبة للعرض في المهرجانات الغربية إلي حيث توجد هذه المهرجانات وإن كانت في اسرائيل. وفي المغرب أصدرت السلطات المغربية قرارا بمنع فيلم المخرج نبيل عيوش "1969- 000000" الذي يحمل عنوان: "الزين اللي فيك" وعيوش مخرج وكاتب ومنتج فرنسي من أصل مغربي. وأمه يهودية فرنسية من أصل تونسي.. وهو يعتبر أحد أهم المخرجين المغاربة المغتربين وقد أثار جدلاً بسبب التناول الجرئ والصريح لحياة العاهرات في مدينة مراكش إلي جانب أن الفيلم يتضمن "حوارا خادشا للحياء ومشاهد فاضحة مبتذلة" كذلك تتسع معالجته لموضوع مثل الشذوذ الجنسي فضلا عن اتهامه بالعنصرية وبالاساءة إلي القرآن الكريم في بعض مشاهده المصورة علي اليوتيوب. "الزين اللي فيك" يتناول حياة بائعات الهوي في المدينة وقد اختار المخرج ثلاثة نماذج منهن لأداء أدوارهن علي الشاشة. ومن ثم واجه العمل انتقادات عارمة من جهات عديدة علي اعتبار أن المغرب دولة اسلامية وكل عمل فني ينبغي أن يحمل رسالة أخلاقية. والفيلم في رأي المعترضين عليه لا يمكن أن تراه الأسرة بسبب اللقطات الجنسية الفاضحة في حين يراه آخرون أنه يصور الحياة الحقيقية لهن.. فالعاهرات الثلاثة بطلات الفيلم وهن: "نهي" و "راندا" و "سكينة" يمارسن أقدم مهنة في التاريخ علي الشاشة ولا يقدمن جديداً "!!!!!" مبدعان.. ولكن ومرزاق علواش ونبيل عيوش مخرجان مبدعان بخلفية ثقافية فرنسية تشكل حسها السينمائي عبر دراسة متخصصة في معاهد أكاديمية فرنسية فضلا عن الاحتكاك المباشر والتعايش المتفاعل مع الثقافة العربية لكونها فرنسيان ولكل واحد منهما أعمال ممتازة لافتة للانتباه منذ العمل الأول عندما قدم الأول فيلمه عمر قتلته 1976 ثم فيلم "باب الواد" 1994 والتائب 2012 ونبيل عيوش بفيلمه الجميل "علي زاوا" الذي يعالج بشاعرية آسرة حياة مجموعة من أطفال الشوارع.. وفيلمه كل ما تريده لولا الذي أثار جدلا كبيرا عند عرضه في القاهرة. والفيلمان الأخيران لكل منهما: "السيدة شجاعة" "مدام كوراج" و"الزين اللي فيك" عملان مثيران للجدل فلعان ومثل كثير من أفلام المخرجين من أصول عربية تغرق الأحداث في عالم النساء محترفات الرذيلة أو عالم المخدرات واللصوصية وفي "مدام كوراج" يختار علواش لبطولة فيلمه صبي نشال شاطر ونشيط ينتقي ضحاياه من السيدات في وسط المدينةبالجزائر. وذات يوم وبينما يشرع في خطف السلسلة الذهبية في عنق طالبة عند عودتها من المدرسة مع زميلاتها يصاب ما يشبه "المس" السحري عندما تلتقي عيناه بعين الفتاة. ويصبح أسيراً لها يتابعها وينتظر تحت نافذة منزلها دون أن يستفزها ذلك بعد أن أعاد اليها السلسلة. ومن خلال حكاية النشال "عمر" والطالبة "سلمي" يصحب المخرج الفرنسي الجزائري المتفرج إلي أحد العشوائيات المطحونة فقراً البائسة رغم قدرتها علي الطفو حيث المرأة "صابرين" شقيقة "عمر" تعاني من قبضة قواد يستغلها. والأم من فظاظة إبنها فلا تكف عن الشكوي. ويعاني البطل نفسه محور الحكاية من القلق والوحدة والحرمان والاضطراب النفسي ولكنه يجد سلواه وقوته في المخدر الذي أسموه "مدام كوراج" الذي تتعاطاه نسبة كبيرة من الشباب في الجزائر لأنه يمنحهم الجسارة والثقة المصطنعة التي تعينه علي النشل والهجوم علي ضحاياه يومياً دون خوف. يقول علواش انه من خلال هذا الفيلم الذي قام هو نفسه بكتابته يحاول اكتشاف جوهر العلاقة المغلفة والملبتسة بين الرجال الجزائريين وبين النساء اللاتي يقسمهن إلي ثلاثة: العذراء. والداعرة. والأم التي لا تتوقف عن الشكوي والتي تخضع بدورها للرجال من سكان الحي فالنساء في نظر الرجال هنا إما "أبيض" أو "أسود" رغم أن "سلمي" ليست بالملاك ولا "صابرين" بالشيطان فهي إمرأة مستغلة ويساء معاملتها من رجال يستخدمها لحسابه وحتي "عمر" النشال لا يعتبر شريراً ولكنه ضحية أجبرته الظروف علي اللجوء إلي السرقة حتي يواصل الحياة. وفيلم نبيل عيوش مثل فيلم مرزاق علواش يعتمد أسلوب "سينما الحقيقة" الذي يغلب النزعة التسجيلية والرصد المباشر والتصوير في الأماكن الحقيقية والاستعانة ما أمكن بأبطال غير محترفين.. والحقيقة التي رصداها وسلطا عليها الضوء تختزل صورة المجتمع العربي المسلم في نساء داعرات. ورجال مساطيل وتطرف ديني. ونفاق إعلامي للسلطة. فقر مدقع بلغة متدنية للغاية. وسخرية مبتذلة من الدين. ونبيل عيوش يستعين في فيلمه بشاب يختاره من بين المتسابقين في برنامج "عرب ايدول" ليؤدي دور شاب مثلي.. هذه البرامج نفسها المنقولة من برامج غربية تحتاج إلي دراسة منفصلة. صحيح أن المجتمعات العربية قد ابتليت بالاسلام المتطرف من خلال طبعة مشوهة من المسلمين الذين وجدوا في الارهاب والعنف المفرط ضد مجتمعاتهم وسيلة "لتطهير" هذه المجتمعات من وجهة نظرهم دون أن يتبينوا أنهم انفسهم "وسيط" للقوي الأجنبية الغربية التي كانت تستعمر مجتمعاتهم ويؤدون خدمة جليلة لهم من خلال إضعاف "مستعمراتهم" القديمة وتخريبها. وأبتليت كذلك بالفساد السياسي وبالأنظمة الاستبدادية لكنها وبرغم من كل ذلك لم تصبح مرتعاً لبضاعة واحدة هي الجنس والمخدرات والإرهاب والفساد علي كل الأصعدة فهذه المجتمعات قامت بثورات في محاولتها للتحرر من كل هذه الأوجاع والعلل. فالأوضاع لا يمكن تبسيطها. لقد أشار علواش في أحد تصريحاته إلي أنه من واجب صانع الفيلم الذي نشأ في المجتمعات العربية أو عاش فيها وشاهد بنفسه التغيرات العميقة التي اصابتها أن يكون ملتزما. ولا يهرب من التزاماته الواجبة في أفلامه.. والكلام صحيح وجميل فعلا ولكن ما نلاحظه أن أفلاماً كثيرة من إخراج المبدعين السينمائيين من أصول عربية والممولة في الأغلب من صناديق غربية حصرت الثقافة العربية التي تبث من خلال حبكات أفلامهم التي يكتبونها بأنفسهم أو يشاركون في كتابتها. حصرتها في صورة سلبية متدنية للغاية. وفي تنويعات قاسية ورديئة من اشكال الانهيار الأخلاقي والديني والقيمي بالضرورة. لا أعفي أبدا في هذا السياق نفسه لسينمائيين المحليين. وفي مصر علي وجه الخصوص من خطيئة الترويج لنفس المضامين التي تكرس الصورة ذاتها وتمنحها أبعاداً أقوي وأعمق بالنسبة للمشاهد الغريي الذي لا يعرف أن مصر مثلما أبتليت بالإرهاب وتداعياته. أبتليت كذلك بصناعة الترفيه الدرامي "السينما والمسلسلات" المسفة والتي لا تمتلك نفس الأدوات التي تمكنها من انتاج مستويات فنية أفضل من السائد. إن الذين يسعون إلي التطبيع مع العدد الأول "اسرائيل" والداعم الأول للإرهابس والمبرر الأول ايضا لانتعاش "الاسلام" الراديكالي المتطرف وللأنظمة المستبدة داخل المجتمعات العربية. فالحلقات موصولة الاستعمار- والإرهاب- الفساد.. الصهيونية.. الخ" والإلتزام بالقضايا لا يتجزأ فمن يقف داخل الميدان بسلاح ومن يمسك كاميرا صنوان.. الاثنان في خندق واحد.. ولكن يوجد وسط المخرجين من ذوي الأصول العربية من يقف في خندق العدو.. وعي ذلك أم لم يع ومن يتشدق بالحرية وهو نفسه مكبل بشروط الجنسية التي استعارها ومن يتحدث عن ديكتاتورية الرأي الواحد المستبد وهو نفسه لا يري في الاستبداد المدمج بأقوي أسلحة للدمار الشامل ولا يري غضاضه أو خطيئة في الوقوف معه علي المسرح الواحد ما يثير حفيظته.. أقول أن هؤلاء من وجهة نظري شديدة التواضع.. طابور خامس.