البداية كانت بدورة تدريبية في نقابة الصحفيين بعنوان "الصحافة.. ودورها في التواصل مع المجتمعات المحلية". بوعد دراسة نظرية وورش عمل لمدة يومين. تم اختيار 13 صحفياً من الاصدارات المختلفة لتطبيق نظريات التواصل المجتمعي علي أرض الواقع في إحدي البقاع الساحرة والغالية علي قلوب المصريين بمحافظة جنوبسيناء وبالتحديد في مدينة نويبع. وفي وفد يضم مجموعة من الصحفيين الشباب. وفنانين من قصور الثقافة. ومسئولين بهيئة تنشيط السياحة. انطلقت الرحلة من القاهرة. ووصلت قرية الصيادين بنويبع. لرصد الواقع الذي تعيشه المجتمعات البدوية في جنوبسيناء عامة ومدينة نويبع خاصة. وعلي مدي 5 أيام تغلغل الوفد بين ثنايا المجتمع المحلي هناك وعاش همومهم ونعرف علي مشاكلهم. في محاولة لوضع حلول لها. قبل الخوض في تفاصيل الرحلة. نلمح إلي أن مشروع التواصل المجتعي مع بدو نويبع يتم تحت رعاية وزارة السياحة وهيئة تنشيط السياحة ومحافظة جنوبسيناء ووزارة التضامن الاجتماعي من خلال جمعية سياحة مصر وتنمية البيئة ورئيسها الزميل الصحفي بجريدة العربي الناصري السيد الدمرداش. المجتمع البدوي مجتمع منغلق علي نفسه إلي أبعد حد. وقد ساهمت أنظمة الحكم السابقة في مصر في تأصل في فكر العزلة داخل عقول ونفوس أبناء نويبع حتي وصلوا الي مرحلة أن بات لديهم قناعة أنهم منسيون من وطنهم الأم مصر. لذلك كان الهدف من المشروع الذي بدأت فعالياته منذ 20 شهراً. لرأب هذا الصدع. وضم هؤلاء البدو الي حضن الوطن. أفضل كتاب الدراما والشعر لن يستطيع ان يفي مدينة نويبع حقها في وصف جمالها وسحرها. الجبال الشاهقة مع مياه البحر الصافية مع لون السماء الأزرق الخالي من ملوثات الأدخنة والعوادم. عناصر ترسم لوحة رائعة من صنع الخالق. جل في علاه. أول محطة لنا كانت في مستشفي نويبع. حيث فوجئنا بمستوي النظافة الهائل داخل المستشفي. فلا حشرات أو قمامة أو مخلفات طبية. "كله علي سنجة عشرة". الأكثر من ذلك ن المستشفي به أجهزة طبية بملايين الجنيهات. منها عدد 4 حضانات وأجهزة أشعة وغيرها من المعدات الطبية باهظة التكاليف. حيث وفرت جمعية سياحة مصر وحدها أجهزة للمستفي ب 2 مليون جنيه. ولكن الغريب ان هذه الأجهزة. كما ترون في الصور. مازالت في كيسها. وربماخرجت من الكراتين الخاصة بها للتو. وذلك لأنه لا يوجد متخصصون في تشغيل هذه الأجهزة. أهالي نويبع اشتكوا من عدم وجود أطباء بالمستشفي ولا تغطي كل التخصصات. والأمر يتوقف فقط علي الاسعافات الأولية ثم التحويل علي مستشفي شرم الشيخ الذي يبعد 200 كيلومتر عن نويبع!! وعلي الرغم من ان سجل دخول المستشفي يظهر من 20 إلي 40 شخصاً يترددون علي المستشفي يومياً. إلا أننا لم نلاحظ وجود أي مريض بالمستشفي. وغرفة العناية كانت خالية تماماً. كما هو موضح في الصورة أيضاً. أما عن الحالات المرضية فحسب مسجل المستشفي فإن معظم الحالات إصابة بنزلات معوية بالاضافة الي كسور نتيجة إصابات علي الطريق. ملف التعليم أما بالنسبة لملف التعليم. فالمعاناة كبيرة جداً لكل أطراف المنظومة. أولاً المعلم. فالمعلم يأتي من محافظات أخري بعيدة مثل الغربية والشرقية والدقهلية علي وعد أنه سيتم نقله بعد قضاء 5 سنوات في مدينة نويبع. وهو ما لا يحدث. حيث التقينا بأساتذة قضوا حتي الآن 12 عاماً في مدارس نويبع ولا أمل لهم في العودة إلي محافظاتهم. أما الطلاب والطالبات. فقد وجدنا بعضهم يذهب الي المدرسة حافي القدمين. ولا نري مدرسة ولا غيره. وحتي المصروف ال 2 جنيه الذي كان تقرر صرفه لكل تلميذ في اليوم لاغرائه علي الذهاب الي المدرسة. تم صرفه لمدة عام دراسي واحد وتوقف بعدها تماماً. أما عن المستوي التعليمي نفسه. فقد سألت طالب في الصف الخامس الابتدائي: "خمسة زائد واحد تساوي كام؟!" فلم يعرف الاجابة!! أما عن الأزمة الكبري في ملف التعليم هي أزمة المواصلات. فالتجمعات البدوية في نويبع متفرقة وعلي مسافات بعيدة عن بعضها. وهناك صعوبة في تنقل التلاميذ من أماكن اقامتهم الي أي مدرسة بعيدة. لذلك يتم التغلب علي هذه المشكلة بانشاء مدارس ما يسمي بالفصل الواحد داخل الوديان. حل مشكلة التعليم بنويبع كما يراه حسام أحمد فؤاد مدرس أول لغة عربية ومن أقدم المدرسين بالمدينة. يكمن في استثناء خريجي الثانوية العامة من أبناء جنوب وشمال سيناء من التوزيع الجغرافي. حتي يتم تخريج طلاب من أبناء المحافظات في كافة المجالات لاسيما الطب والتربية والتمريض. وحكي حسام واقعة حيث مرض ابنه الصغير ولم يجد من يعالجه داخل مدينة نويبع واضطر الي السفر به إلي شرم الشيخ. وتم علاج الابن بعد عذاب. مشيراً إلي أنه يفكر جدياً الآن في الرجوع إلي القاهرة حتي لا يتكرر الموقف معه مرة أخري في مرض أشد. المياه والكهرباء من أكثر المشاكل التي تواجه بدو نويبع هي الحصول علي مياه الشرب. وتوفر الشركة القابضة للمياه سيارات مياه تجوب الوديان. لمد سكانها بالمياه ولكن شكوي بعض الأهالي أنها قد تتأخر عليهم. وبالنسبة للكهرباء. وعلي الرغم من ان خطوط الضغط العالي وشبكة الربط بين مصر والأردن تمر وسط أراضي جنوبسيناء. إلا أن كل الطاقة في الوديان تعتمد علي المولدات. حيث توفر المحافظة الوقود الكافي لتشغيل المولدات لمدة 10 ساعات في اليوم. 5 ساعات بالنهار. و5 بالليل لضمان حفظ الأدوية في الثلجات مثلاً والأطعمة أو ما شابه ذلك. والذي يريد ان يشغل المولدات وقت أكبر يشتري الوقود علي حسابه. وهناك حلول بسيطة لمشكلة المياه تحدث عنها عبدالحميد السبكي مدير ادارة التضامن الاجتماعي بنويبع. والذي اعتبرناه نحن الصحفيون عمدة نويبع. حيث أصر علي التواجد معنا في كل خطوة نخطيها في البلد. وفتح لنا كثيراً من الأبواب المغلقة. حتي أنه أتاح الفرصة لزميلات لنا في الرحلة لقاء عدد من سيدات البدو وهو انجاز بكل المقاييس. أما عن الحلول البسيطة لمشكلة المياه. قال ان هناك ما يسمي ب "ماسك المياه" وهي مناطق وسط الجبال الصخرية. تهطل عليها الأمطار والسيول بغزارة. وبتكلفة لا تتجاوز 20 ألف جنيه. يمكن بناء أحواض لتخزين هذه المياه في باطن الجبل وتوصيلها بخراطيم صغيرة يستطيع من خلالها البدوي الحصول علي المياه. البطالة مشكلة البطالة بين الشباب من أكثر المشاكل التي تؤرق صالح محمد مدير نادي الهجن بنويبع. قال ان شباب البدو قلما يجدون وظائف في الجهاز الاداري للدولة. وتحدث صالح عن ثورة 25 يناير قائلاً ان لها ايجابيات تتمثل في استماع المسئولين لهم ولشكواهم والنزول إليهم والجلوس معهم. ولكن عاب علي الثورة التسبب في هروب السائح الأجنبي الذي كان مصدراً مهماً للدخل في أرجاء نويبع وجنوبسيناء بشكل عام. ووضع صالح يده علي نقطة مهمة جداً وهي ربط شباب البدو باقرانهم القاهريين من خلال تنظيم زيارات لهم إلي الأهرامات والنيل وأيضاً الاسكندرية ومطروح مناشداً وزارة الشباب والرياضة التركيز علي هذه الرحلات والاكثار منها حتي نستطيع غرز روح الانتماء للوطن داخل نفوس شباب البدو. مشروع النول من الأفكار المثمرة التي ذهبنا بها من القاهرة الي أهالي نويبع. تحت اشراف جمعية سياحة مصر. مشروع تصنيع السجاد الفاخر. صناعة يدوية علي النول. وبالفعل كان حاضر معنا ضمن الوفد المهندس عبدالجليل جاد الحق. مدير قصر ثقافة العال بشبرا الخيمة. ومعه 3 من المدربين. قاموا بتدريب سيدات البدو وبناتهم. علي صناعة السجاد الفاخر علي النول الجديد. حيث اصطحبنا معنا في الأتوبيس 2 نول. كنطقة انطلاق للمشروع. الذي لافي استجابة سريعة جداً من سيدات البدو. اللاتي كانت تعمل علي نوع قديم من الأنوال يخرج عنه ما يعرف ب "الكليم" نوع متواضع من السجاد. تكلفة السجاد الجديد من الخامات تصل الي 20 جنيها للسجادة الواحدة. في حين تباع ب 1500 و200 جنيه وخلال الرحلة. شاهدنا مبني مهجور علي الطريق الدولي مكون من 4 محلات. اقترحنا أن يتم تجهيز هذا المبني كمعرض لهذه المنتجات البدوية التي ستخرج من هذا المشروع من "سجاد وخرز" وتكون وقفة ممتعة للسياح في هذه المنطقة. انجازات الجمعية أما عن الانجازات التي تحققت من خلال تعاون جمعية سياحة مصر التي وقعت برتوكول تعاون مع نقابة الصحفيين بهدف تعزيز التواصل المجتمعي. توفير معدات طبية لمستشفي نويبع بالتعاون مع غرفة شركات السياحة. الحصول علي أدوية من شركات الأدوية وتسليمها الي مستشفي نويبع زراعة ما يقرب من 1900 شجرة بالمدينة والوديان المجاورة لها. تعليم 400 تلميذ من مدارس نويبع فن الرسم من خلال ورش عمل فنية. توزيع 21 ماكينة خياطة وتطريز علي بعض التجمعات البدوية. الرحلة كانت مفيدة بلا شك لرؤية "ناس مننا" أبعدتهم الظروف القاسية وغياب دور الدولة عننا. ونحن اليوم نحاول أن نعدل الميزان ونمد يد العون في الشراكة لأشقائنا في الوديان ونساعدهم في الحصول علي حقهم في الحياة.. مجرد الحياة.