لم تقصد وزيرة التضامن الاجتماعي د.غادة والي أن الحكومة ترفض الاستمرار في تحمل سداد أموال المعاشات للمستحقين.. هي فقط أرادت أن تهددنا أو "تعايرنا".. وفي أحسن الأحوال أرادت أن تذكرنا بفضل الحكومة علينا وتعرفنا قيمتنا.. مجرد "قرصة ودن" ليس أكثر من ذلك. تصريح الوزير كان يجب أن يفهم علي وجهه الصحيح.. لكن ما هو وجهه الصحيح.. ذلك ما سكتت عنه ولم تفصح به.. فلقد حذرت من ارتفاع حجم مخصصات أموال المعاشات والتأمينات خلال العام الجاري ليصل إلي 110 مليارات جنيه مقابل 43 ملياراً خلال عام ..2010 وقالت إن الخزانة العامة تتحمل منها 55 ملياراً وأنه "لا يمكن للحكومة الاستمرار في تحمل هذا المبلغ دون إصلاح جذري لمنظومة المعاشات". ماذا يعني هذا الكلام وما المقصود منه؟! هل معناه أن الحكومة ترفض الاستمرار في سداد أموال المعاشات؟!.. الوزيرة نفت ذلك بعد أن أثارت تصريحاتها ثورة غضب واسعة.. إذن كان كلامها مجرد دردشة لتسرية الوقت في مؤتمر اقتصادي متخصص يحضره خبراء ووزراء ورجال أعمال وباحثون.. لا يمكن تصور ذلك.. لا يبقي إلا أن "نخمن" بأن الوزيرة قصدت فقط كشف الحقيقة وتذكيرنا بأن الحكومة هي سندنا وصاحبة الفضل علينا.. فنحمد الله علي ما نحن فيه ولا نطلب أكثر من الستر. لكن.. والمشكلة دائماً في لكن هذه.. هناك من يأخذ تصريحات الوزيرة علي محمل الجد ويحللها ويؤكد أنها تمهيد لقانون المعاشات الجديد.. عفواً "القديم" الذي كان قد أعده وزير المالية الأسبق د.يوسف بطرس غالي ولم تمهله ثورة 25 يناير لفرضه.. وفيه يتم إلغاء مكافأة نهاية الخدمة ورفع المدة اللازمة للحصول علي المعاش من 36 عاماً إلي 40 عاماً ورفع المواطن وتخصم من راتبه وخفض الحصة التي تدفعها الحكومة أو جهة العمل. ولإنعاش الذاكرة فقط.. نشير إلي أن مشروع القانون هذا قوبل بموجة عارمة من الرفض.. خصوصاً أنه جاء علي حساب المواطنين بعد أن كانت الحكومة قد استولت بناء علي عبقرية د.يوسف بطرس غالي علي أموال المعاشات التي تقدر ب 585 مليار جنيه لسد عجز الميزانية.. معلنة أنها سوف تستثمر هذا المبلغ لصالح أصحاب المعاشات.. بينما كانت الحقيقة أنها جنبت حوالي 50% من المبلغ بدون فوائد.. وهو ما عرض أموال المعاشات للتآكل.. رغم الكلام الجميل الذي تردد ليلاً ونهاراً عن أن أموال التأمينات مصونة ومضمونة. من أجل ذلك.. كان انفعال البدري فرغلي رئيس الاتحاد العام لأصحاب المعاشات عنيفاً ضد تصريحات الوزيرة.. فقد اتهمها بأنها تسير علي خطي يوسف بطرس غالي وتستهدف تدمير أموال التأمينات والاعتداء علي حقوق أصحاب المعاشات وتخفي الحقيقة لأنها لم تعلن أن أصحاب المعاشات يملكون رسمياً 585 مليار جنيه نصفها بلا فوائد علي الإطلاق.. ولديهم عند الخزانة العامة 162 مليار جنيه بلا فوائد منذ سنوات.. وهذه الأموال صرفت علي شركات استثمارية وأجنبية. إن أوضاع المعاشات في مصر بائسة ومزرية جداً وغير لائقة بالكرامة الإنسانية.. والوزيرة تستغل الظروف الحالية لتطمس علي الحقيقة.. وقد كان الأولي بها.. بدلاً من أن تهددنا وتعايرنا.. أن نتحدث بكل وضوح عن مصير تقرير هيئة النيابة الإدارية الصادر في منتصف أبريل الماضي والذي كشف عن قضية إهدار للمال العام داخل الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي تورط فيها أحمد نظيف ويوسف بطرس غالي ورئيسا الهيئة السابقان ووكيل أول وزارة. أصحاب المعاشات لا يستجدون من أحد.. والحقيقة أن حقوقهم مهدرة وأموالهم منهوبة.. ويبقي السؤال: لمن تنحاز الوزيرة؟!.. ولمن تنحاز الحكومة؟!