* إذا صح ما نسب إلي الخارجية الإسرائيلية حين تساءلت علي صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك": هل يحقق 90 مليون مصري اقتصادياً وثقافياً وعلمياً ربع ما يحققه 8 ملايين وهو عدد سكان إسرائيل الحالي فإننا نصبح إزاء جرح نكأه الأعداء وواقع لا يصح الهروب منه أو عدم الاعتراف به ومحاولة إصلاحه بأسرع ما يمكن. فليس لدينا ترف الانتظار وقتاً آخر حتي لا يتسع الخرق علي الراتق. الواقع يقول إن الجهاز الإداري للدولة متضخم ومترهل ومعوق ومشجع علي الفساد. وصانع للإحباط. ولدي قطاع عريض منه الرغبة في وأد أي محاولة جادة للإصلاح وهو أمر لا يمكن القبول به بعد ثورتين كبيرتين رفعتا سقف الطموحات لدي المواطن بدرجة لا يمكن إرضاؤها بسهولة.. الأمر الذي يحتاج لثورة مماثلة علي البيروقراطية والروتين والفساد والترهل الإداري. لابد أولاً من تغيير الصورة النمطية الشائعة في الذهنية المصرية عن الوظيفة الحكومية والتي يلخصها المثل الشائع "إن فاتك الميري اتمرغ في ترابه" وما يرسخه هذا المثل من تصور كسول وبليد لطبيعة ومقتضيات تلك الوظيفة التي يعتبرها الناس صك الأمان لتقاضي الراتب وتحصيل المزايا سواء عمل الموظف أو لم يعمل.. حفظ أم ضيع.. أجاد أم أهمل وأفسد.. وهذا أمر عجاب تكاد تنفرد به مصر بين دول العالم كافة والفضل يرجع لغياب أي تقييم جاد للأداء الحكومي وأي عقاب رادع للمهملين والمفسدين والمزوغين من أعمالهم المعطلين لمصالح الجماهير. في مصر جهاز إداري ضخم مقارنة بعدد سكانها. فهناك أكثر من 5.6 مليون موظف "أي موظف لكل 13 مواطناً" بمعدل يقارب نحو 27% من عدد السكان. تلتهم رواتبهم نحو 57% من ميزانية الدولة. بينما يمثل الناتج من خدماتهم الحكومية نحو 10% من الناتج القومي.. ويبلغ متوسط إنتاج الموظف المصري 30 دقيقة يومياً.. فهل تتناسب أجورهم مع حجم ما ينتجونه من خدمات أو ما يضيفونه للاقتصاد..؟! سوء الخدمات الحكومية المقدمة للمواطن لا يحتاج إلي دليل. ناهيك عن تعقد الهيكل التنظيمي للدولاب الحكومي وتغوُّل البيروقراطية وتفشي الفساد الذي تزيد تكلفته السنوية علي 200 مليار جنيه.. البعض يرفع الرقم إلي أضعاف ذلك. ناهيك عن المركزية الشديدة في توزيع موظفي الحكومة حيث تستأثر العاصمة وحدها بنحو 46% بينما توزع النسبة الباقية علي سائر محافظات وأقاليم الجمهورية. مشكلات الجهاز الإداري في مصر قديمة ومتوارثة منذ عقود فثمة تقديس زائد للسلطة ولائحية عقيمة. وسيادة قيم مقيدة للإبداع. ومقاومة التغيير "كما حدث مع قانون الخدمة المدنية في الفترة الأخيرة" وانتشار الرشوة والمحسوبية واللامبالاة واتباع سياسة التعيين بلا دراسة محددة للأرقام المطلوبة وما ارتبط بها من زيادة هائلة في المرتبات بلغت نحو 218 مليار جنيه في آخر موازنة للدولة. إصلاح الجهاز الإداري فريضة وتهيئة الموظفين لقبول مثل هذا الإصلاح والتفاعل معه ضرورة لضمان الحد الأدني من الاستجابة المطلوبة ليس بسن التشريعات فقط بل بوضع برامج تدريب مناسبة وإعادة تحويل العمالة إلي الوظائف والتخصصات المطلوبة لزيادة القدرة والكفاءة ورفع مستوي المعيشة وحرث التربة أمام أي مشروع للإصلاح والتنمية.. فالفساد متراكم وثقافة التواكل والمحسوبية والفهلوة واستحلال المال العام لا يمكن تغييرها بين عشية وضحاها.