أطفال اليوم .. فتيان الغد ..فرسان المستقبل.. أمل الأمة وحلم الوطن.. الذين سوف يحملون المسئولية كاملة علي أعناقهم من أجل تحقيق طموحاته وبناء حضارته ونهضته وتقدمه بين سائر الأمم.. ويتوقف ذلك علي ما تعلموه واستقر وسكن في وجدانهم من ثقافة وتربية ومبادئ وأخلاق. ذلك لأن بناء العقل لا يقل أهمية عن بناء الجسم. والدول تتقدم بالمعرفة والعلم.. والتمسك بالتراث.. ومن لا ماضي له ينهل من نبعه.. لا حاضر له ولا مستقبل.. والتراث هو ذلك المخزون الثقافي الهائل الكامن في وعي الشعوب عبر الأجيال .. وهو الإبداع الذي يحياه أفراد المجتمع من خلال معاملاتهم اليومية البسيطة التلقائية ليشكل في النهاية أسلوب حياة.. ووعيا حضاريا بديعا . وتكمن أهمية توظيف التراث الشعبي في تنشئة الطفل أن هناك شبه تباعد خطير بين الأبناء .. وعادات وتقاليد الآباء والأجداد التي تحمل الكثير من قيم الخير والأخلاق المتوارثة من جيل إلي آخر .. وأصبح الطفل محاصرًا بكم هائل من الثقافات الغربية.. الدخيلة الغريبة علي مجتماعتنا الشرقية بما تحمله من قيم غير تربوية يراد بها محو هويتنا.. وتربية فلذات أكبادنا علي عادات وتقاليد لا تمت إلي تراثنا بشيء.. وفي هذا التوقيت تخرج إلي النور الموسوعة المصرية لأغنيات الطفل في جزئها الأول الخاص بالشعر الشعبي.. من إعداد وتصنيف الباحث.. مسعود شومان.. الصادرة عن مشروع مكتبة الأسرة وتعد إضافة كبيرة ونقلة هائلة في مجال الأدب الشعبي.. من أجل الحفاظ علي التراث من الضياع .. والهوية المصرية من الاندثار.. وتعريف الأبناء والأحفاد بمكنون هذا الموروث الكبير الذي يعمل علي ربط الماضي الجميل بالحاضر.. وإضاءة لطريق المستقبل ليظل التراث باقيًا في القلوب والعقول وعلي الشفاة يتناقل من عبر الأجيال. تقع الموسوعة في خمسمائة وستين صفحة من الحجم الكبير.. وتتميز بالطباعة الفاخرة ..والألوان الجذابة .. والتصنيف الممتع .. ولمعرفة أهمية هذه الموسوعة نوضح أن هناك الكثير من الكتب والدراسات والأبحاث .. التي ظهرت في مجال التراث الشعبي .. وأغاني الطفولة وهذه الكتب بلا شك تعد إضافة كبيرة ..وخلفها جهد عظيم مبذول من قِبل من قاموا بالإعداد والتصنيف .. وهو جهد طيب يستحق الشكر والتقدير ..لكن لو تأملنا في هذه الكتب دون ذكر أسماء مثلاً .. في أبواب أغاني السبوع أو التهنين والهدهدة سوف نجد أغاني بعينها مكررة في أغلب هذه الكتب منها مثلاً .. أغنية نام نام .. وادبح لك جوز حمام ..وأيضًا أغنية .. تاتا خطي العتبة.. وفي المقابل هناك الكثير من الأغاني لن تجدها في هذه الكتب .. وهذا ليس تقصيرا من قبل من قاموا بالإعداد لكن ربما لصغرحجم هذه الكتب.. وأيضًا لتنوع وكثرة أغاني الطفولة وانتشارها في شتي ربوع مصر وبالتالي تكمن أهمية هذه الموسوعة..في أنها تلبي حاجات الباحثين والدارسين المتخصصين في مجال أدب الطفل .. حيث أنها تعد الأكبر.. والتي جمعت واستوعبت أغلب مايتعلق بأغنيات الطفل في التراث الشعبي.. ورغم الجهد المبذول في الموسوعة فإنها لا تدعي الكمال وهي خطوة أولي تسعي إلي جمع وتوثيق وتصنيف الأشعار التي كتبت أو أنشدت أو رويت علي قدر الإمكان للطفل في مراحل عمره المختلفة .. فعلي مستوي الشعر المؤلف الذي يعد صالحًا للغناء.. فقد تتبعت عددًا عظيمًا من قصائده .. ولا تقتصر الموسوعة علي نوع معين من الشعر .. إنما تقدم الابداع الشعري المصري الذي أُبدع علي مستوي الأفراد أو الجماعة الشعبية مواكبًا لدورة الحياة.. وما تضمه من مادة مجموعة تم الحصول عليها بعدة طرق.. بالنسبة للأشعاروالأغاني المؤلفة فقد كان الاتصال الشخصي بالشعراء هو الطريقة المثلي التي ساهمت في جمع كم هائل من أشعارهم فضلاً عن البحث في الدواوين والكتب.. أما ما يخص الأغنية الشعبية فقد كان الجمع عن طريقين هما.. الجمع الميداني.. عن طريق الاستعانة بما تم جمعه من مادة فولكلورية حية قام بها عدد من باحثي الفولكلور والأدباء المهتمين بالتراث والمأثور الشعبي.. وقد تجاوز الجمع الميداني أكثر من العشرين محافظة .. شارك فيه الأدباء والباحثون الذين أدركوا طبيعة هذه المهمة القومية.. والطريق الثاني هو الجمع المكتبي .. وذلك بالاستعانة ببعض المؤلفات التي تضم بعض أغاني الأطفال الشعبية.. وقد قام الباحث بتصنيف الأغنية الشعبية طبقًا لدورة حياة الطفل علي نحو يسهل التعامل معها.. وقد ضمت الموسوعة 395 أغنية فبداية من الأغاني التي تُغني للطفل .. وتضم أغاني الميلاد ..السبوع .. التهنين والهدهدة..الفطام.. الختان.. الرُقي.. الأغاني التي تعلم الطفل.. أغاني الباعة.. ونهاية بالأغاني التي يغنيها الطفل وتضم الأغاني العامة .. التي تُغني في المناسبات مثل .. أغاني المطر ..أغاني رمضان .. أغاني العيد .. ثم أغاني الألعاب التي تفرعت إلي أغاني الأولاد وأغاني البنات.. أغاني مشتركة .. وهذه التصنيفات علي قدر أهميتها وعدها تعد دليلاً للباحث والمهتم إلا أنها تظل هيكلاً مصمتًا لاحتواء النصوص ..وهي بشكلها هذا قد لا تهم الطفل الذي تتوجه إليه الموسوعة في الأساس .. لذا فإذا كان هذا التصنيف هو هامشها فإن النصوص هي متنها الذي نهديه لأطفال مصر وآبائهم وأمهاتهم كي يستعيدوا هذه النصوص من مكامنها الغائرة في أرواحهم.