اختار عبدالحميد السحَّار عنواناً للكتاب التالي بعد السيرة النبوية : قيام الدولة الإسلامية واضمحلالها. كان قد حدَّد جهد أعوامه الأخيرة في الدراسات الدينية.. لا روايات تاريخية. أو غير تاريخية. ولا سيناريوهات للسينما. بدت أعماله التي تناولت الواقع المصري. كأنها جسر بين أعمال الأولي والأخيرة. وإن اقترب في الأولي من الفن بدرجة ما. في حين اكتفي بالدراسات الجادة مجالاً وحيداً. ومحدداً. في أعماله الأخيرة. كتاب "أضواء علي السيرة النبوية ومقارنة بين الأديان".. لم يصدر في حياة مؤلفه. لا أعرف ظروف كتابته. ولا لماذا تأخر الناشر وهو شقيق الكاتب في إصداره. وإن بدا واضحاً أن الكتاب يوازي السيرة النبوية ذات العشرين جزءاً التي قدمها السحَّار إلي المكتبة الإسلامية في نهايات عمره. فضلاً عن أنه بديل للكتاب المشروع "قيام الدولة الإسلامية واضمحلالها". كانت إعادة السيرة النبوية بحقائق علمية. وبأسلوب عصري كما رويت لك حلماً قديماً لعبدالحميد السحار.. بدأ في ملء البطاقات منذ المرحلة الثانوية. كلما وجد معلومة. تصور أنها يمكن أن تفيده. ليجلها ويضمها إلي ما سبق تسجيله من بطاقات. وانشغل بكتابة القصة القصيرة والرواية. وصدر له الكثير من المجموعات القصصية والروايات.. لكنه لم يخطيء الهدف. كانت إعادة السيرة النبوية حلمه الأول.. أكاد أقول: حلمه الوحيد. الكتاب يتناول نفس القضايا التي تناولها السيرة النبوية. ويعرض لنفس الأحداث.. لكن بغير الأسلوب الروائي الذي كتب به الفنان السيرة النبوية. فهو يبدأ السيرة بالكتابة عن إبراهيم أبي الأنبياء. ويبدأ الجزء الأول من هذا الكتاب بفصل عنوانه "أبو الأنبياء إبراهيم الخليل". يعيد ما سبق أن تناوله في روايته "في قافلة الزمان" وفي سيرته الذاتية "هذه حياتي". عندما كان يجلس في منظرة البيت مع أبيه وأصدقائه. كل مساء. يصغي إلي القاريء وهو يقرأ السيرة النبوية لابن هشام. لتدور من بعد القراءة أحاديث لا تنتهي حول شخصية الرسول صلي الله عليه وسلم وحقبة الإسلام. يقول: "وكان تاريخ محمد صلوات الله عليه وما يدور حوله. يستهيوني. ويأخذ بلُبي. ويستولي علي كل انتباهي. وما انتهوا من قراءة السيرة النبوية لابن هشام. حتي راحوا يقرءون "علي هامش السيرة" للدكتور طه حسين. فأعجبني طريقة الدكتور في السرد وجعلني أعيش بكل جوارحي في ذلك العصر الذي استطاع الدكتور طه ببراعة أن يجعله ينبض بالحياة. وشببت وأنا معجب بمحمد رسول الله صلي الله عليه وسلم فلما عرفت كيف أقرأ. عكفت علي قراءة كتب السيرة. وما كتب عن الرسول الكريم. فازداد اعجابي بشخصيته الفذة. وهويت الكتابة فكانت أمنيتي منذ حملت القلم أن يوفقني الله إلي كتابة السيرة النبوية في أسلوب قصصي يجذب القاريء ويجعله يعيش الأحداث التي عاشها ناس أعزاء علينا. كانوا يملأون الأرض حياة من مئات السنين. وهممت بكتابة السيرة أكثر من مرة. ولكنني كنت في كل مرة أحجم ليقيني أني لم أصبح أهلاً بعد لمعالجة مثل هذا العمل الشاق.. ومرت الأيام وأنا بين الإقدام والإحجام. وأخيراً توكلت علي الله. وبدأت في كتابة الجزء الأول من السيرة مبتدئاً بأبي الأنبياء إبراهيم الخليل. أبي المؤمنين جميعاً. وأنا ما أزال علي يقين أني أعجز من أن أنهض بمثل هذا العمل. أقدمت علي الكتابة خشية أن يفزع الأجل دون أن أحقق أعز أمنية راودتني في العشرين سنة الماضية. فإن كنت أخطأت. فمن عندي وأرجو الله أن يغفر خطئي. وشفيعي أني اجتهدت وبذلت ما في طاقتي ملتمساً الحقيقة علي قدر علمي واجتهادي". ويؤكد الكاتب إنه حافظ في كتابته للسيرة علي الحقيقة التاريخية. لم يدوِّن حادثة إلا ولها سند. واختار أقرب الروايات المختلفة إلي المنطق وروح الدعوة. حتي لو تعارضت مع التوراة. أو بعض الأحاديث. أو مع المتواتر بين المؤرخين. للكلام بقية