اليوم، انطلاق امتحانات الدور الثاني لطلاب الابتدائي والإعدادي والثانوي    الهلال الأحمر المصري يوثق حركة شاحنات المساعدات الإنسانية المتجهة إلى غزة (فيديو)    حريق هائل بمركز تجاري شهير في "قائمشهر" وسط إيران (فيديو)    بعد أزمات فينيسيوس جونيور، هل يتحقق حلم رئيس ريال مدريد بالتعاقد مع هالاند؟    3 مكاسب الأهلي من معسكر تونس    "الداخلية" تكشف حقيقة احتجاز ضابط في أحد أقسام الشرطة بالقاهرة (إنفوجراف)    بالأسماء.. مصرع طفلة وإصابة 23 شخصًا في انقلاب ميكروباص بطريق "قفط – القصير"    عامل يعيد 3 هواتف مفقودة داخل نادٍ بالإسماعيلية ويرفض المكافأة    الحبس وغرامة تصل ل2 مليون جنيه عقوبة تسبب منتج فى تعريض حياة المستهلك للخطر    وزير الأوقاف يحيل مجموعة من المخالفات إلى التحقيق العاجل    موعد إجازة المولد النبوي 2025 الرسمية في مصر.. كم يومًا إجازة للموظفين؟    إعلام فلسطيني: 4 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف شقة سكنية غرب غزة    زيلينسكي: أوكرانيا تحتاج لأكثر من 65 مليار دولار سنويًا لمواجهة الحرب مع روسيا    عيار 21 الآن بعد آخر تراجع في أسعار الذهب اليوم السبت 26 يوليو 2025    «أغلى عملة في العالم».. سعر الدينار الكويتي مقابل الجنيه اليوم السبت 26 يوليو 2025    موعد مباراة ليفربول وميلان الودية اليوم والقنوات الناقلة    رحيل نجم بيراميدز بسبب صفقة إيفرتون دا سيلفا (تفاصيل)    أسعار الفراخ اليوم السبت 26-7-2025 بعد الانخفاض وبورصة الدواجن الرئيسية الآن    2 مليار جنيه دعم للطيران وعوائد بالدولار.. مصر تستثمر في السياحة    القانون يحدد ضوابط العمل بالتخليص الجمركى.. تعرف عليها    رسميا خلال ساعات.. فتح باب التظلم على نتيجة الثانوية العامة 2025 (الرسوم والخطوات)    بسبب راغب علامة.. نقابة الموسيقيين تتخذ إجراءات قانونية ضد طارق الشناوي    برج الحوت.. حظك اليوم السبت 26 يوليو: رسائل غير مباشرة    مينا مسعود لليوم السابع: فيلم فى عز الظهر حقق لى حلمى    الأوقاف تعقد 27 ندوة بعنوان "ما عال من اقتصد.. ترشيد الطاقة نموذجًا" الأحد    ما أجمل أن تبدأ يومك بهذا الدعاء.. أدعية الفجر المستجابة كما وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم    «بالحبهان والحليب».. حضري المشروب أشهر الهندي الأشهر «المانجو لاسي» لانتعاشه صيفية    «جلسة باديكير ببلاش».. خطوات تنعيم وإصلاح قدمك برمال البحر (الطريقة والخطوات)    5 طرق بسيطة لتعطير دولاب ملابسك.. خليه منعش طول الوقت    عقب إعلان ماكرون.. نواب ووزراء بريطانيون يطالبون ستارمر بالاعتراف بدولة فلسطين    بالصور.. تشييع جثمان والد «أطفال دلجا الستة» في ليلة حزينة عنوانها: «لقاء الأحبة»    "هما فين".. خالد الغندور يوجه رسالة لممدوح عباس    "مستقبل وطن دولة مش حزب".. أمين الحزب يوضح التصريحات المثيرة للجدل    هآرتس: ميليشيات المستوطنين تقطع المياه عن 32 قرية فلسطينية    ليلة تامر حسني في مهرجان العلمين.. افتتاح الحفل العالمي بميدلى وسط هتاف الجماهير    فلسطين.. شهيدة وعدة إصابات في قصف إسرائيلي على منزل وسط غزة    «مش عارف ليه بيعمل كده؟».. تامر حسني يهاجم فنانا بسبب صدارة يوتيوب .. والجمهور: قصده عمرو دياب    الإسماعيلية تكشف تفاصيل مهرجان المانجو 2025.. الموعد وطريقة الاحتفال -صور    رسميًا.. دي باول يزامل ميسي في إنتر ميامي الأمريكي    بعد «أزمة الحشيش».. 4 تصريحات ل سعاد صالح أثارت الجدل منها «رؤية المخطوبة»    رد ساخر من كريم فؤاد على إصابته بالرباط الصليبي    «الداخلية» تنفي «فيديو الإخوان» بشأن احتجاز ضابط.. وتؤكد: «مفبرك» والوثائق لا تمت بصلة للواقع    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق كابينة كهرباء بشبرا| صور    مستشفى الناس تطلق خدمة القسطرة القلبية الطارئة بالتعاون مع وزارة الصحة    «لو شوكة السمك وقفت في حلقك».. جرب الحيلة رقم 3 للتخلص منها فورًا    محافظ شمال سيناء: نجحنا في إدخال عدد كبير من الشاحنات لغزة بجهود مصرية وتضافر دولي    وزير الأوقاف: الحشيش حرام كحرمة الخمر سواء بسواء والادعاء بحِلِّه خطأ فادح    ياليل يالعين.. الشامي يبدع في ثاني حفلات مهرجان العلمين 2025    أحمد السقا: «لما الكل بيهاجمني بسكت.. ومبشوفش نفسي بطل أكشن»    ليكيب: برشلونة يتوصل لاتفاق مع كوندي على تجديد عقده    6 أبراج «الحظ هيبتسم لهم» في أغسطس: مكاسب مالية دون عناء والأحلام تتحول لواقع ملموس    إحباط تهريب دقيق مدعم ومواد غذائية منتهية الصلاحية وسجائر مجهولة المصدر فى حملات تموينية ب الإسكندرية    تنسيق الثانوية العامة 2025.. التعليم العالي: هؤلاء الطلاب ممنوعون من تسجيل الرغبات    عقود عمل لذوي الهمم بالشرقية لاستيفاء نسبة ال5% بالمنشآت الخاصة    يسرى جبر: حديث السقاية يكشف عن تكريم المرأة وإثبات حقها فى التصرف ببيتها    برلماني: الدولة المصرية تُدرك التحديات التي تواجهها وتتعامل معها بحكمة    جامعة دمنهور الأهلية تعلن فتح باب التسجيل لإبداء الرغبة المبدئية للعام الجديد    شائعات كذّبها الواقع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما رفض نجيب محفوظ مقابلة حسن البنا


كتب: حسين عبد العزيز
كتب الناقد الأردني (فخري صالح) مقالاً عن الأديب العبقري/ نجيب محفوظ في مجلة دبي الثقافية تحت عنوان (من يكتب سيرة نجيب محفوظ الرسمية) العدد 76 سبتمبر / 2011 ونفهم من العنوان أن المقال يدور حول مذكرات نجيب محفوظ أي هل نجيب محفوظ خط مذكراته أم لا وذكر ناقدنا الكبير في العمود الأول من المقال (هناك عدد محدود من الكتب التي أعدها أصدقاؤه وحواريوه وعلي رأس هذه الكتب يتميز كتاب جمال الغيطاني «نجيب محفوظ يتذكر» وكذلك كتاب الناقد المصري الراحل رجاء النقاش «نجيب محفوظ صفحات من مذكراته وأضواء جديدة علي أدبه وحياته» فهذا الكتاب المظلوم إعلاميا وثقافيا، يقدم لنا كل شيء عن نجيب محفوظ حياته في الطفولة والشباب.. والرجولة.. أدبه.. وهو وثورة 52 وعبد الناصر.. والسادات.. وكيف يكتب وحياته في الوظيفة.. والحب في حياة محفوظ وكيف تزوج ونوبل وما بعد نوبل.. وأرذل العمر. إذن الكتاب يقدم لنا نجيب محفوظ من البداية حتي السلام عليكم ونحن نظراً للمساحة لن نقدر أن نعرض الكتاب كله.. لكنا سوف نقرأ جزءا مهما من المقدمة التي كتبها أستاذنا إبراهيم عبد العزيز.. لأن في تلك المقدمة إجابة.. علي ما كتبه الناقد الأردني (فخري صالح) وقبل أن نمضي نتمني أن تقوم وزارة التربية والتعليم بتدريس كتاب أنا نجيب محفوظ علي طلاب الثانوي.كما قدمه الناقد إبراهيم عبدالعزيز إن كنا نريد لأنفسنا الخير.. وننجو من دوامة الفساد التي تتحرك فينا منذ أكثر من أربعة أو خمسة عقود. ويقرر علي طلاب الجامعات المصرية أدبية وعلمية.
وأنا هنا أتذكر أنه يوجد كتاب مهم للغاية لكن لم يأخذ حقه من الدراسة والتحليل ومن ثمة الشهرة إنه كتاب (أنا نجيب محفوظ .. سيرة حياة كاملة) قدمه لنا .. الكاتب والناقد الكبير/ إبراهيم عبد العزيز.فربما يبتسم لنا الزمان ونجد عندنا نجيب محفوظ آخر:
«اتجه عزمي علي كتابة سيرة ذاتية لنجيب محفوظ مادام لم يكتب بنفسه هذه السيرة التي سئل عنها عشرات المرات وكان في كل مرة يحتج بأن سيرته قد تضمنها كتابان هما (نجيب محفوظ يتذكر) للأديب جمال الغيطاني و(مع نجيب محفوظ) للناقد أحمد محمد عطية، ثم لحق بهما أخيرا كتاب الأديب والناقد الكبير رجاء النقاش (نجيب محفوظ صفحات من مذكراته وأضواء جديدة علي أدبه وحياته). كما ذكر الأستاذ أيضا أن الإذاعة سجلت له نوعا من السيرة الذاتية أذيع علي ثلاثين حلقة، مرة لإذاعة صوت العرب ومرة أخري لإذاعة البرنامج العام، كما سجل له طارق حبيب في التليفزيون نوعا آخر من السيرة، وهذا ما جعل نجيب محفوظ يقول: (لقد كُتبت سيرتي الذاتية ونشرت وأذيعت أكثر من مرة وبأكثر من وسيلة، ولو أني حين أشرع في كتابتها بنفسي لابد أن أتذكر أشياء لم أقلها هنا ولا هناك، إنما حقيقة الأمر أني كلما وجدت موضوعا يصلح لرواية فضلت كتابتها علي السيرة الذاتية).
ولكن الأستاذ بعد كل هذه التأكيدات لا ينفي أن ظلالا وأصداء من سيرته الذاتية قد تناولها في بعض أعماله ونشرها في البعض الآخر، يقول: أنا موجود بقوة في روايتي «قشتمر» هي نوع من السيرة الذاتية من خلال أربعة أبطال ومصر وأنا الذي أتكلم وأروي في رواية قشتمر أيضا هناك أجزاء من هذه السيرة في: المرايا والثلاثية وصباح الورد أما أصداء السيرة فهي تقطير لأصداء إنما هي أصداء كاتب لم يتمكن من كتابة تفاصيل حول حياته فلم يبق له غير المعني العام.
أما أين شخصية نجيب محفوظ نفسه من كل ما كتب؟ فقد اعترف بشكل محدد (أنا كمال عبد الجواد في الثلاثية، إنه يحمل ما يزيد علي خمسين في المائة من واقعي ولكن بشكل مروي ولكن مع ملاحظة أن التركيز الروائي تم علي أزمته العقلية).
أما الشخصيات الحقيقية في حياة نجيب محفوظ والتي تأثر بها في حياته فيروي قصتها لفؤاد دوارة وكيف أنها بدأت في اتجاه ثم انتهت إلي اتجاه آخر فيقول: الحقيقة أن المرايا هي أقرب الأعمال التي بدت وكأنها تنشد السير الذاتية بطريقة ما، وكذلك رواية (حكايات حارتنا) إلي حد ما .. الاثنتان بدأتا كنوع من السيرة الذاتية ثم تغير منهجها وسأوضح لك.
في المرايا أردت أن أكتب سيرة ذاتية من نوع جديد، تستطيع أن تسميها السيرة الموضوعية، بمعني أن المتحدث فيها لا يحدثك عن نفسه وإنما عن المرايا التي انعكست فيها صورته عن الذين عرفهم وتأثر بهم، أي أنها سيرة ذاتية موضوعية من خلال الآخرين، تحمست لهذه الفكرة وظللت أرصد جميع الناس الذين تأثرت بهم أو أثرت فيهم، ثم حين شرعت في الكتابة بأمان المحقق الموثق وجدت أن الحصيلة قليلة جدا وتكفي لعمل شيء».
المدافع في الجنينة
بدأت انتاجي الأدبي:
كتبت سنة 1936 حوالي 100 قصة فما أكثر الأقاصيص التي رفض نشرها، وكانت أيام عذاب ومحنة تتكرر مع كل أقصوصة أو مقال يرد، علي أن المقال كان أسرع في القبول من الأقصوصة فالنشر دائما صعب خصوصا في البداية، فقد كنا نختار بعض المجلات المتخصصة مثل المجلات القضائية التي كانت تخصص معظم صفحاتها للإعلانات، فكانت ترحب بتسويد صفحاتها لكي تسند نفسها أمام الجهات التي تصدر عنها لكي تحصل علي الإعانة اللازمة، فهذه كانت ترحب بما نكتبه، إنما وجدنا صعوبة بالغة في نشر أي شيء في مجلة تستحق هذا الاسم.
كنت أكتب المقال مع الأقصوصة والرواية، وكان المقال يقبل والأقصوصة والرواية يرفضان، وجاء وقت قبلت فيه الأقصوصة فانصرفت إلي كتابتها ونشرها وإن لم أمتنع في الوقت نفسه عن كتابة الرواية، نشرت في الصحف حوالي ثمانين قصة.
نشر «أحمد حسن الزيات» معظمها في مجلة «الرواية» ونشرت الباقي في «الرسالة» و«الثقافة» وكتبت قبلها أكثر من ستين قصة لم أنشرها لأنني لم أكن راضيا عنها سأصرح لك بسر: لقد بدأت كتابة القصص القصيرة متأثرا بقصص «محمود تيمور» و«المازني» ومترجمات «محمد السباعي» القصصية، وعندما عدت إلي كتابة القصة القصيرة لم أكن متأثراً بأحد من كتاب القصة القصيرة بخلاف ما قرأت عن فن الرواية، لم أقرأ إلا القليل عن القصة القصيرة، بل وقرأته في سن متأخرة، كذلك ليس في مكتبتي من مجموعات القصص العالمية إلا القليل، وأكثر ما قرأت في المجلات، ومن عجب أنه كان لي صبر بلا حدود علي قراءة الروايات رغم طولها، ولا صبر لي علي قراءة القصة القصيرة.
أول قصص قصيرة كتبتها ونشر معظمها (أحمد الزيات) لم يكن الدافع إليها فنيا ، ولكن عجزي عن نشر الرواية جعلني أتسلي بكتابة القصة القصيرة.
أول قصة نشرتها «ملك تحت الأرض» ونشرتها حوالي 1930 في مجلة «الشباب» للمرحوم محمود عزمي ، وموضوعها عن فتاة بائسة تنام في ماسورة.
الآن تغيرت الدنيا، أصبحت هذه التيارات علي درجة كبيرة من الخطر، والفساد هو الأب الشرعي لقوتها، إنهم يستولون علي الجامعات والنقابات.. كيف؟ أعدت قراءة التاريخ الإسلامي فاكتشفت وجود هذه التيارات مع فوارق الأزمنة والمصطلحات وأنها فقرة واحدة ، فهم يرون الأدب رجساً، إنني أقرأ صفحاتهم وهم يشتمونني وغيري، ويقولون إننا حثالة الغرب، وأننا ننشر الانحلال، يتكلمون أحيانا عن أدب إسلامي، ولست أعرف أدباً إسلامياً خارج الأدب في ظل التاريخ الإسلامي وهو أدب يشتمل علي أكثر مما يحتوي الأدب الغربي من صرامة القول والتصوير. أبو نواس وبشار، أليسا من الأدب الإسلامي، لقد علمت أن الجماعات الإسلامية في الإسكندرية اقتحمت معرض الكتاب وصادرت مؤلفاتنا، إلي هذا الحد وصلت الأمور، صادروا كتب طه حسين وكتبي وكتب غيرنا.
ونقطة أخري هي العنصرية. إننا شعب لا يعرف العنصرية مطلقاً، تراث طويل عريض يخلو من العنصرية، وهذا ما يدعوه البعض بالوداعة أو اللطافة أو الألفة. أو الدفء المعروف عن المصريين في علاقاتهم الاجتماعية، وموقفهم من الغرباء. ولكن الظلام الزاحف يزرع بذوراً غريبة في أرضنا الطيبة، أين دور الاستنارة والعقلانية؟
الابتعاد عن تراثنا الوطني يبعدنا في الوقت نفسه عن شاطئ الأمان. هذه أيضاً مصرية. رؤية المصريين مشدودية برباط وثيق إلي الحكومة المركزية لدرجة العبادة أحياناً، مما يجعل القرب والبعد من السلطة قيمة اجتماعية، الشعور بالأمن في حضن هذه السلطة يجعل البعد عنها مخاطرة وهذه من السلبيات المصرية التي أحب التأكيد عليها ولو بالتكرار، ولكني أضيف أن المصري مرهف الحساسية إزاء «ذمة الحاكم»، قد لا يهتم في المقام الأول باتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء، ولكنه يهتم جداً ويستثار ولا يكظم غيظه من اللصوص والمرتشين.
كذلك من السلبيات الروح العائلية التي تقتل القانون، إن أصعب رذيلة في عملية الإصلاح هي تلك التي يعتقد المجتمع أنها فضيلة.
وحين أنتمي إلي الوطنية المصرية، فإنني أدرك السلبيات والإيجابيات جيداً في الشخصية المصرية، ولكن لا معني لأدبي خارج نطاق هذه الرؤية.
عرف الشعب المصري علي مدي تاريخه صنوفاً من القهر والاضطهاد فتكونت لديه «شخصية» لها معالمها المميزة كالصبر الذي استمده من الحياة الزراعية والصمود الذي يتغلب علي الفناء، وهو لا يتعدي علي الآخرين بل مفعم باللطف والإنسانية وحسن المعاشرة، ولكنه من جهة أخري اعتاد القهر فاكتفي بالسخرية بدلاً من الصراخ، وخفتت لديه علي حد ما حاسة المقاومة واضطرته الحاجة إلي النفاق والفهلوة، وهي رذائل تحتاج إلي مساحة من الحرية حتي يتخلص منها.
جربت كل أنواع وطرق الكتابة تلقائياً.. هناك أعمال لا أبدأها إلا وقد اكتملت ونضجت تماماً ولا يكون أمامها إلا كما يقولون بلغة المعمار «التشطيب» أعمال أخري أبدأها وأهم أجزائها فقط هو الواضح في ذهني.. أو محورها الرئيسي، وهذه الأعمال غالباً ما تكون من النوع غير المتعدد الشخصيات مثل «الطريق» علي سبيل المثال، لكن هناك أعمالا أبدأها من درجة الصفر وتتضح وتستوي علي الورق مثل معظم القصص القصيرة.
أما الكتابة الثانية فليس لها مدة زمنية محددة. قد أعيد كتابة عمل في سنة أو أكثر وفي أي حالة من هذه الحالات فأنا أكتب الكتابة الأولي بسرعة.. أكتب كل ما يخطر علي بالي لتنتهي صورة العمل المبدئية في شهر علي أقصي تقدير يومياً تنتهي ساعات الكتابة وأنا «خلصان».. كل حواس الفنان: عقله.. قلبه، يشتغل معه وهو يكتب وبعد أن ينتهي يكونون قد تعبوا، أنا أثناء الكتابة حر مائة في المائة، ولم يحدث قط أن تنازلت عن حريتي. بعد النشر حين أسمع بعض التعليقات أشعر أحيانا بالخوف.
الكاتب يعبر عن نفسه وليست هناك لحظة يمكن أن يفرق فيها بين الوعي واللاوعي أو نسبة أحدهما إلي الآخر. الكتابة عملية شديدة التعقيد، في العادة أمتلك تخطيطا ذهنيا للرواية سابقاً علي الكتابة، الكتابة ليست مجرد تنفيذ لهذه الخطة لأن الكتابة هي عملية الكتابة ذاتها. الخطة فكرة عامة جداً، أما الكتابة فهي رواية، ويحدث أثناء التبييض أن أغير قليلاً هنا أو هناك. هذا في العادة، ولكن حدث أنني بدأت أعمالاً وفي ذهني - كما هو الشأن في «بداية ونهاية» - أنها ستكون كوميديا، وإذا بها تنتهي بمأساة. وحدث أيضاً أنني بدأت «تحت المظلة» و«حكاية بلا بداية ونهاية» و«شهر العسل» وليس في ذهني أي خطة أو انفعال أو موضوع، بدأت هذه الأعمال هكذا وانتهت علي النحو المكتوب. أين الوعي وأين اللاوعي في ذلك كله؟ لا أدري. قليلة جداً تلك الأعمال التي بدأت عندي من فكرة، والأغلب أنها تبدأ من شخصية أو عاطفة أو موقف أو علاقة.
البداية دائما هي الأصعب.. الوقفة الأطول تكون دائما عند البدء.
لا تخطيط ولا تلقائية!
المسالة كالآتي:
يصح في اللحظة التي أقول لك فيها السلام عليكم أن تأتيني فكرة.. وفي اللحظة التي أشرب فيها كوباً من الشاي أن تأتيني فكرة.. بداية هي لحظات ونقط من التلقائيات تجمعت.. هناك كاتب يحب أن يكون علي هدي عندما يبدأ فيستعين بخطة، وهناك من يقول: لا.. «تجي في السكة».. طبعاً هناك عمل يحتمل هذا الذي يأتي في «السكة».
ثم أترك ذلك كله للحظ وللصدفة. لا تخطيط ولا تلقائية. المنبع في كل الحالات التلقائية، غاية ما في الأمر أنها لا تكون علي ورق.
لأن التخطيط يمسك بالخطوط الأساسية، يعني مثلاً أنا فاهم في موقف ما أن «س» يقابل «ص» ليبلغه أنه سوف يؤدي ما عليه من دين مثلاً. أثناء الكتابة تتغير أشياء كثيرة.
التغيير يمس أحياناً الجوهر. أتذكر أنني في إحدي رواياتي كونت شخصية علي أنها هامشية جدا فإذا بها تصبح أساسية جداً.. كما يصل التغيير إلي العلاقات.. تتصور أن شخصية ما تلتقي بأخري وينصلح ما بينهما. أثناء الكتابة تتفتح لك الشخصيات - حين تعيش من داخلها فتجد أن الصلح مستحيل. مثلا في قصة «يوم قتل الزعيم» كان لابد أن يأتي ما أتي. الواقع له منطقه وتداعياته الخاصة التي لا تتوقف أو تتخلف من أجل شاب اسمه «علوان» أو بنت اسمها «راندة».
سألت نفسي.. كل أبطال قصصي كانوا يسقطون فلماذا هذان؟.. كان هناك وازع عندي لا يريد لهما السقوط، حافظت عليهما. الواضح أننا بدأنا نفزع من الفساد. عدم سقوطهما هو مقاومة. أدخلت علي الواقع ما يجب أن يكون.. لماذا؟ لأنني أتعلق في هذه اللحظات بما يجب أن يكون.
كل الشخصيات التي قدمتها وفيها شيء من الشر، كان اتهامي للظروف المحيطة بها وليس لها، لم أقدم شخصية بشكل يجعل القارئ يكرهها. لا تغيب عني أبداً الجوانب المضيئة من الشخصية مهما كانت بشاعة الجوانب الأخري. أنا لا أكره الناس ولكنني أفهمهم علي حقيقتهم، في واقعهم القاسي. أحبهم في واقعهم القاسي، كل شخصية لها أصل واقعي، من هذا التفصيل الصغير يمكن لي أن أبني حياة كاملة، أضيف من عندي ما يناسب العمل، وكثيراً ما يقرأ الأشخاص الذين كتبت عنهم في كتبي ولا يتعرفون علي أنفسهم، ولو تعرفوا عليها لكان وقعها سيئاً.
المصير الروائي يختلف عن المصير الحقيقي، والناس يختلطون بينهما.
لست محايداً
كجميع الناس يميل قلبي إلي أناس وينفر من آخرين، ولعل مما هو جدير بالذكر والملاحظة أني لا أمارس الكراهية أكثر من لحظات. فعلا لأنني لا أحب أن ألوث نفسي لأن الكراهية تلوث نفسي، والدخول في عداوات عقيمة يضيع الوقت، والوقت أغلي من أن أضيعه في الخناق، وأنا طوال عمري تعرضت لصداقة الأصدقاء كما تعرضت لعداوة الأعداء، فلو كنت تفرغت لعداوة الأعداء والرد عليهم والدخول معهم في معركة لكان نصف إنتاجي قد راح في المهاترات، فأحسن شيء أنك تتوكل علي الله وتُعْرض عما عدا ذلك، أما الشعور بالغضب فإني أعرف كيف أهدهده وأصرفه وأستمر في طريقي. وعندما أكتب عن أناس ألتزم جانب العدل والإنسانية، ولعل ذلك يفسر أنه لا يوجد في رواياتي الشخص الشرير بالمعني الدقيق لتلك الكلمة إلا نادراً جداً ولعله لا يوجد، والأغلب أن يوجد أناس بما فيهم من قوة وضعف وخوف وشر (أحيانا أتعمد الانتصار لطرف ضد آخر) بشرط ألا يهز السياق ولكني أتعاطف مع شخصية يظهر تعاطفي معها بصورة أو بأخري في الرواية. من يريد أكثر هو من يريدني أن أصرخ وليس هذا هو الفن، في «الثلاثية» أو في «الحرافيش» تجدني علي الحياد، ولكنك تشعر بأنني مع من وضد من وذلك رغم الحياد، أنا اعرف أمراً واحداً هو أن هذا العالم الذي أقدمه بمنتهي الحياد أقدمه وأنا لست محايداً.
كرهت منذ بداية الوعي السياسي المبكر مصر الفتاة والإخوان المسلمين فالإخوان أفصحوا عن انتهازيتهم وفاشيتهم في وقت واحد إيديولوجيا والآخرون بدأوا كجماعة دينية حتي أن بعض الوفديين انضموا إليها ثم أفصحت الجمعية عن نشاطها السياسي المعادي للوفد فوقفنا ضدها وسأروي حقيقة تاريخية وهي أن الوفد كان يرشح الأقباط من أنصاره في الانتخابات فكانوا يهزمون الإخوان في دوائر أغلب سكانها من المسلمين.
كان الزميل الراحل عبد الحميد جودة السحار ممن يميلون إلي الإخوان دعاني مرة لمقابلة الشيخ/ حسن البنا ولكني رفضت الدعوة بكل إصرار.
نحن نعيش في هذا المنزل (بشارع النيل بالعجوزة) من سنة 1960 وحتي الآن.. وكنا نسكن قبله في منزل قرب كوبري الجلاء، ثم انتقلنا إلي هنا.. ومن يومها لم ننتقل منه.. فالحقيقة هو يقدر مجهودي جداً ويشعر به.. ويقول دائماً عني «جدعة».. هديته الوحيدة لي طوال هذه السنوات كانت «ساعة ذهبية» يوم حصوله علي جائزة الدولة التقديرية.
كان يتمني بما حصل عليه من قيمة مادية للجائزة بالإضافة إلي تحويشة العمر كله في شراء قطعة أرض من إحدي الشركات «الوهمية» في المعادي، ليبني عليها مسكنا لنا ولبناتنا، ومكتبة عامة لأهل الحي، وبعد ما دفع «دم قلبه» وحصيلة إنتاجه الأدبي كله. وما يملك من مال جمعه من مجهوده الأدبي اكتشف أنه راح ضحية عملية احتيال ونصب، وضاع شقاء عمره في غمضة عين، تأثر بعدها نجيب تأثرا شديدا مما أساء لصحته لدرجة أنه أصيب بمرض السكر. وللأسف نجيب حاليا لا يثق في أي تعاملات مالية وعقارية بعد هذا الحادث.
أسوأ حاجة فيه أنه متسامح جدا في حقوقه ومع الناس وعندما أناقشه في سر هذا التسامح يرد في هدوء: «خلاص ربنا لا يريد هذا الشيء أن أحصل عليه» وتنتهي القضية عند هذا الحد.
مشرف بالمدينة الجامعية جامعة المنصورة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.