أملي أن يكون اهتمام الحكومة الحالية التي يترأسها مهندس بالقاهرة الخديوية التي تمتد بمساحة منطقة وسط البلد حافزا لتحقيق الشخصية المعمارية التي تفتقدها القاهرة في بناياتها المختلفة. العمارة القاهرية تبين عن تناقضات حادة بانتمائها - في زمن حاضر - إلي عصور مختلفة.. ثمة العمارة الفاطمية والعمارة المملوكية والتركية والايطالية والعمارة التي يصعب نسبتها إلي عصر ما إلا انها وليدة هذا الزمان مجرد أوعية أسمنتية يجد فيها الناس مأوي لهم! مظاهر المدنية الحديثة تشمل البنايات ذات الطابع الموحد والمميز والشوارع الواسعة المستقيمة والميادين الفسيحة والحدائق والاشجار وكما نعلم فقد كان ذلك تصور الخديو اسماعيل حين أمر بإنشاء مدينة القاهرة. وعلي الرغم من الفترة القصيرة - نسبيا - التي أمضاها في حكم مصر فإن ما سمي بعمارات الخديو امتدت في مساحة هائلة من القاهرة بل انها الطابع الغالب - كما نري - لمنطقة وسط البلد. والمعلم الأهم في بنايات وسط البلد هو كلاسيكية الطابع لقد انشئت ما بين عهدي الخديو اسماعيل والخديو عباس حلمي الثاني "ذكر عباس حلمي انه كان يشرف بنفسه علي عمليات بناء العمارات المنسوبة إليه في شارع عماد الدين باسم عمارات الخديو". والحق ان العشوائية لا تقتصر علي المناطق التي تنشأ في غيبة من اشراف الدولة لكنها تشمل المناطق التي تعد - بدرجة وبأخري - واجهة للعاصمة ثمة العمارة العربية والإسلامية والعمارة الايطالية والعمارة الصينية واليابانية.. الخ. فإلي أي نسق ينتمي هذا "السكلانس" الذي يتوزع في بلادنا؟ لعل المثل "سمك. لبن. تمر هندي" ينطبق جدا وجيدا علي العمارة المصرية الآن. المدن الكبري مثل القاهرة والاسكندرية تعاني الفوضي الجمالية التي لا تواجه قيودا من أي نوع فالألوان مختلطة والأشكال متنافرة والخليط المرئي يصدم العين بما يحقق تعبير "التلوث البصري" الهوية المعمارية لمدينة ما لابد ان تتصل بانتمائها الحضاري من غير المتصور ان تعبر عن توالي الحضارات الفرعونية والبطلمية والقبطية والعربية والإسلامية هوية معمارية أوروبية أسمنتية. ان للمدن شخصيتها - أو هذا هو المفروض - تجد التعبير الأبلغ عنها في فن العمارة. نحن نستطيع التعرف إلي هوية المدينة بالتعرف إلي الطابع المعماري. العمارة انعكاس لثقافة أي شعب لحضارته لحسه الجمالي ولن يتحقق ذلك إلا بالانسجام والتناسق. نمطنا المعماري ليس الواجهات الزجاجية ولا الشرفات الألوميتال ولا الطوابق السكلانس. كل طابق يختلف عما تحته وفوقه. الشخصية المعمارية ترفض السكلانس. قد يصح اقامة أحياء بكاملها أو مدن بكاملها بطابع معماري معين. لكن الطابع العام يجب ان يكون متقاربا أو موحدا. يجب ان يتسم بالقسمات التي تهبه شخصيته المتفردة. النسق المعماري مطلوب سواء علي مستوي مجموعة البنايات في الحي أو في الشارع الواحد أو علي مستوي طوابق البناية الواحدة. الحرية لا تعني الفوضي ولا الهرجلة. الطابع المعماري ليس لمجرد تأكيد الهوية - وهو أمر مطلوب- وإنما لمجاوزة فساد الذوق.