يحتفل المسلمون اليوم بذكري الإسراء والمعراج والتي تعد بالنسبة لهم مناسبة غير عادية كون الرحلة تحمل الكثير من المعجزات التي أخبرنا بها القرآن الكريم ورسول الله صلي الله عليه وسلم.. إلا أن ما يميز هذه الرحلة أيضا أنها تذكر المسلمين بما يحدث للمسجد الأقصي أولي القبلتين وثالث الحرمين ومسري نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام.. ففي كل عام تحل الذكري لتنبه المسلمين بمسئوليتهم نحو تحرير المسجد الأقصي من أيدي الغاصبين. حول هذه الذكري العطرة ناقشت "المساء الديني" مع العلماء معجزة ما حدث في الإسراء والمعراج وأهم الدروس المستفادة من هذه المناسبة والرد علي من يشكك فيها. د. حمدي طه الأستاذ بجامعة الأزهر يقول عن هذه الذكري العطرة إن الغرض الحقيقي من أعظم آية في الإسراء والمعراج ليس المسري برسول الله من المسجد الحرام إلي الأقصي للفسحة والنزهة وليس المعراج للترفيه وإنما كان القصد من هذه الرحلة الأرضية السماوية هو تثبيت قلب رسول الله نتيجة ما لاقاه من أهل الطائف ولذلك أراد الله أن يثبت قلب رسول الله صلي الله عليه وسلم "لنثبت فؤادك" وهي إشارة وعلامة من الله سبحانه وتعالي لتلك الأمة أنها إذا نزلت بها المحن وضاقت عليها السبل واشتد عليها الكرب فيجب أن تسري وتعرج بنفوسها إلي الخالق الأعظم وفيها إشارة ودلالة من الله سبحانه وتعالي لشباب الأمة أنهم يجب عليهم ألا يصبهم الكدر والضيق واليأس فإن مع العسر يسرا .. ويجب عليهم أن يتحركوا ونيتهم متعلقة بالله سبحانه وتعالي مصداقا للحديث القدسي "عبدي حرك يديك ينزل إليك رزقي" وكما قال سيدنا عمر وهو يرشد الأمة إلي عدم اليأس والقنوط ويجب عليهم العمل إن السماء لا تمظر ذهبا ولا فضة وإنما الذهب والفضة يأتي بالعمل والتوكل علي الله "لو أنكم تتوكلون علي الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصا وتعود بطانة.. فالنبي صلي الله عليه وسلم في تلك الليلة خرج من مكة وهو في حالة ضيق وعاد إليها بعد أن رأي من آياته الكبري مسرورا سعيدا ثابتا علي الحق داعيا إلي الله بجد ونشاط ولذلك قال الله سبحانه وتعالي القصد من هذه الرحلة "لنريه من آياتنا" والآيات هي التي تثبت قلب الإنسان وتشد من عزيمته وتوثق الصلة بينه وبين الخالق الأعظم "إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب. كما أن مما نأخذه من الإسراء والمعراج أن أهل الأرض جميعا لو تكالبوا علي الإنسان واشتد عليه الكرب منهم فلو اشتدت قوة إيمانه وتوكل علي الله واتقاه لجعل له من هذا الضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب. الدكتور محمد رأفت عثمان أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية يقول: ذكريات الأحداث العظام في تاريخ الإسلام مناسبة يجب أن تستثير فينا روح اليقظة. والالتفات بجدية إلي ما صارت عليه أوضاع العالم الإسلامي كله عربية وغير عربية.. وإذا كان الإسراء والمعراج يعد فيصلا بين فترتين تاريخيتين من حياة رسول الله صلي الله عليه وسلم بل يعد انتقالا إلي مرحلة قوية من مراحل الدعوة وإعلان لعالمية الإسلام حيث فرضت العبادة التي تبين إيمان الفرد وحسن صلته بالله عز وجل وهي فريضة الصلاة التي تفرق ما بين المسلمين وغيرهم فإننا يجب أن نلتفت إلي هذا الحدث العظيم ونأخذه نورا كنور الصلاة التي فرضت فيه أو أثناءه لننظر فيما آلت إليه أمور العالم الإسلامي. حذر من امتهان السلطات الإسرائيلية لقدسية المسجد الأقصي والأماكن المقدسة وبما تقوم به من إجراءات وأعمال عدوانية مستمرة ضد المسجد والتمهيد لهدمه وإقامة هيكل سليمان المزعوم مكانه بالإضافة إلي المخططات المطروحة لبناء معبد يهودي في ساحته. فقد استولت السلطات الإسرائيلية خلال الأعوام الأخيرة علي معظم أراضي الوقف المحيطة بالمسجد الأقصي كما استولت علي المقابر الإسلامية بحجة توسيع الطرقات وتحديثها في مدينة القدس الشريف كما قامت بإجراء الحفريات والأنفاق التي تعرض المسجد الأقصي للسقوط والانهيار. دعا د. عثمان علماء الأمة الإسلامية وأئمة وخطباء المساجد إلي تذكير المسلمين بواجبهم نحو المسجد الأقصي للمحافظة عليه وعدم تدنيسه وتنوير الرأي العام الإسلامي بحقيقة الأحداث التي يفتعلها اليهود في القدس والمقدسات الإسلامية. يقول الدكتور مبروك عطية الأستاذ بجامعة الأزهر لقد أسري الله تعالي بنبيه صلي الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي ليريه من آياته وجاء التعبير في قوله تعالي "سبحان الذي أسري بعبده" ليرد علي الذين زعموا أن الإسراء والمعراج كانا مناما لا يقظة فكلمة "عبده" تدل علي أنه كان بالروح والجسد معا رغم أنف المشككين فما ذلك علي الله بعزيز.. ويؤكد هذا الرأي الراجح أن الآية بدأت بتسبيح الله أي بتنزيهه عن عجز ونقص لا يليقان بذاته المقدسة فهو سبحانه وتعالي قادر علي أن يأتي بما لم يتخيله عقل بشر. أكد د. مبروك أن العبرة من الإسراء والمعراج تتمثل في دروس مهمة منها أن الذي أسري برسوله صلي الله عليه وسلم قادر علي أن ينصر أمته بين غمضة عين وانتباهتها إذا سبحته حق التسبيح وعرفت له قدره تعالي وعملت بكتابه وسنة رسوله ومنها أن المشاهد التي رآها صلي الله عليه وسلم إنما هي حق تجعلنا نعيد حساباتنا ونمضي علي سنته المطهرة غير مرتكبين بجرائم تؤدي إلي النار فيتعاون المجتمع المسلم علي البر والتقوي فقد رأي الرسول ليلة المعراج مكتوبا علي باب الجنة "الحسنة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر جزءا" فما قال له الصحابة رضوان الله عليهم : كيف يكون القرض أكثر من الصدقة مع أنه يرجع .. فقال عليه الصلاة والسلام : لأن السائل يسأل وهو عنده أما المقترض فلا يقترض إلا عن حاجة .. وما أكثر الذين هم في حاجة إلي صدقة وإلي قرض حسن في مجتمع المسلمين خصوصا الذين تحت الاحتلال والهيمنة المادية الشرسة التي تهددهم دما ومالا وعرضا وأماكن يعز علينا جميعا أن تصرخ فينا وما لها من مجيب وعلي رأسها الأقصي مسري سيدنا رسول الله الذي بارك الله حوله وصلي فيه عليه الصلاة والسلام بجمع من النبيين. كما أن من أهم الدروس المستفادة من هذه الذكري أن الصلاة فرضت علي أمتنا في هذه الليلة المباركة من فوق سبع سماوات فكانت كلما جاء في الصحيح قرة عين رسول الله صلي الله عليه وسلم وعلينا أن تكون الصلاة قرة أعيننا لأن لنا فيها الأسوة الحسنة وبذلك ندعو المسلمين إلي الصلاة لأنها الركن الثاني في أركان الإسلام.