اشتهرت مدينة نبروه منذ ما يزيد علي قرن من الزمان بصناعة السردين والفسيخ.. وبعد أن كان تناول الفسيخ في الماضي البعيد مقصوراً علي الباشوات والبكوات في شراء معظم إنتاجه لتوزيعه علي سبيل الهدايا في شم النسيم إلا أن منتصف القرن الماضي شهد اهتماماً جماهيرياً وإقبالاً واضحاً من مختلف فئات الشعب علي الفسيخ والسردين ومن هنا توسعت شهرة نبروه وزاع صيتها ليمتد إلي مختلف بقاع مصر.. وعلي الرغم من أن أسعار الفسيخ هذا العام قد ارتفعت بنسبة 15% مقارنة بالعام الماضي إلا أن حركة البيع والشراء بمدينة نبروه بالدقهلية لم تتأثر نظراً لاحتفاظها بميزة الفسيخ الأرخص سعراً والأكثر جودة. "المساء" التقت مندوه أبوشعير "85 عاماً" شيخ الفسخانية بنبروه داخل المحل الذي يملكه بمدينة نبروه حيث أشار إلي أنه قد بدأ صناعة الفسيخ مع والده منذ 65 عاماً ولم يكن بنبروه سوي ثلاثة محلات فقط وقد أخبره والده بأن الصناعة تعود إلي أكثر من مائة عام والذي شجع علي ذلك إنتاج السمك البوري في البحيرات بالشكل الذي يتجاوز احتياجات المواطنين عدة مرات فكانوا يستغلون هذه الزيادة في تمليحه وتحويله إلي فسيخ حيث توفر أنواع البوري والطوبار والجرانة والسهلية وأفضلها البوري السمين. أضاف أن ارتباط الناس بأكل الفسيخ في شم النسيم لم يكن أساسياً في الماضي بل كان الباشوات يشترونه لتوزيعه كهدايا فمثلاً السيد باشا بدراوي جد فؤاد بدراوي كان يأتي قبل شم النسيم ويشتري إنتاجنا بالكامل مع المحلين الآخرين ويقوم بتدوين اسم صاحب المحل علي صفائح الفسيخ التي يقوم بتحميلها علي السيارات النقل ليقوم بتوزيعها هدايا علي أصدقائه في القاهرة والبضاعة التي لا تحظي باستحسان أصدقائه كان يرفض تسديد قيمتها لصاحبها حسب الاتفاق ولا يشتري منه في العام التالي.. ويوضح شيخ الفسخانية أن سعر كيلو الفسيخ في الخمسينيات والستينيات لم يتجاوز 5-6 جنيهات للكيلو جرام علي الرغم من أن كيلو السمك بعد تفسيخه يصل إلي 750 جراماً فقط كما أن السيد الملاح أحد أهم تجار الفسيخ في الماضي قد نقل نشاطه إلي بلقاس وأنشأ هناك عدة محلات ذات شهرة واسعة. وعن صناعة الفسيخ في الماضي قال الحاج مندوه في الماضي كنا نعتمد علي نشر السمك في الشمس بعض الوقت ثم نقوم بغسله وتمليحه في صفوف عكسية وبين كل صف وآخر توضع كميات الملح ثم تغلق الصفائح بإحكام حتي نعرضها بعد أسبوعين للاستهلاك وفي حالة رواج السوق كنا نغسل السمك بالماء الساخن وخلال السنوات الأخيرة لم نعد نلجأ للتشميس ولا استخدام الماء الساخن.. والمسألة حالياً تتلخص في شراء الكميات اللازمة من البوري قبل ثلاثة أسابيع من شم النسيم ونقوم برصها في براميل خشبية وبينها طبقات الملح ونغلق البراميل بإحكام بعد أسبوعين نقوم بعرض الفسيخ الزبدة السايح للذين يرغبون في ذلك أما من يرغبون في الفسيخ النسايل الملحم فنعرضه بعد 20 يوماً حيث إن تشبعه بالملح يحوله إلي فسيخ ملحم. أكد شيخ الفسخانية أن أصحاب المحلات المعروفة من أصحاب الكار كل منتجاتهم سليمة وآمنة لأنهم يختارون السمك بعناية ويقومون بتصنيعه كطبيعتهم بحرفية وهناك بعض أصحاب المحلات الجديدة خبرتهم لا تؤهلهم للعمل في هذا المجال الذي اختاروه لتحقيق الأرباح فقط وعلي فكرة الزبون ناصح وبيسأل بعناية قبل أن يشتري من أي محل. محمد طه صاحب أحد المحلات شاب حاصل علي مؤهل متوسط ويهوي العمل في هذا المجال يقول إن الأسعار هذا العام لم تتحرك إلا جنيهات معدودة نتيجة لزيادة سعر السمك وارتفاع تكلفة النقل بالرغم من ذلك يظل فسيخ نبروه بلا منافس من حيث السعر والجودة فالكيلو الذي يزن سمكتين سعره 60 جنيهاً والثلاث سمكات 50 جنيهاً و4 سمكات 40 جنيهاً والأقل بثلاثين جنيهاً وهذه الأسعار أقل بكثير من القاهرة والإسكندرية وبعض المدن الأخري.. الأهم أن نسبة إقبال الزبائن علي الفسيخ لم تتأثر مطلقاً بل علي العكس فأنا أستقبل زبائني المعروفين من مختلف محافظاتالقاهرة ودمياط والشرقية والقليوبية وبورسعيد إلي جانب زبائن جدد أراهم لأول مرة.. وأوضح أن جزءاً كبيراً من الزبائن يفضل السمك الوسط الذي يزن الكيلو منها 4 حبات والبالغ قيمته 40 جنيهاً للكيلو وينصح محمد طه الزبائن بضرورة التأكد من وجود إحمرار حول عين الفسيخ إضافة إلي امتلاء ظهره ورائحته الجيدة ومن الأفضل عدم فتح لفة الفسيخ إلا عند أكلها مباشرة. يقول مسعد أبوشعير إن البيع أحياناً يتم علي المذاق حيث يطلب الزبون القادم لشراء عشرات الكيلو جرامات فتح فسيخة ليتذوقها قبل شراء البطيخة علي المكسر ويشير إلي أن شهرة محلهم تعود إلي حرفية شقيقه خالد العالية في شراء الأسماك التي تعطي نتائج متميزة في عمليات التمليح. ومن الضروري تسوق الأسماك التي تعتمد مزارعها علي مياه ترعة السلام والبعد كل البعد عن المزارع التي تستخدم مياه مصرف بحر البقر ومادام التاجر يستخدم أسماكاً جيدة في عملية التمليح فإن النتيجة حتماً ستكون جيدة.. فهناك بعض التجار في نبروه يعتمدون علي الأسماك رخيصة السعر وبالتالي تكون النتيجة رداءة الفسيخ. أشار إلي أن هناك "سمك بوري" يصلح للشي ولا يصلح للتمليح وتكون نتائجه غير مرضية وبالتالي لابد من أن تكون أرض المزرعة طينية غير رملية وماءها عذباً دون خلطه بمياه البحر. أما بالنسبة للسردين فيؤكد مسعد أبوشعير أن اعتمادنا علي تصنيع السردين أصبح ضعيفاً حيث إننا نعتمد حالياً في هذه الصناعة علي السردين اليمني المجمد الذي يفقد نحو 30% من وزنه بعد تمليحه ويباع الكيلو بعشرين جنيهاً وبالتالي فالمواطن يفضل شراء الفسيخ بثلاثين جنيهاً وعلي الرغم من ذلك فإننا نقوم بتمليح السردين اليمني بعد أن افتقرت البحيرات المصرية للسردين وإرضاء للزبون إلي جانب بعض الكميات البسيطة من الرنجة. الدكتور عبدالعزيز غانم أستاذ الطب الشرعي والسموم بجامعة المنصورة يشير إلي ضرورة توخي الحذر والدقة أثناء عمليات تناول وجبات الفسيخ وبخاصة مرضي الضغط المرتفع نظراً لخطورة تناولهم الفسيخ المحتوي علي أملاح زائدة مما قد يؤدي إلي ارتفاع ضغط الدم بطريقة مفاجئة قد تؤدي إلي حدوث نزيف بالمخ كما يمنع مرضي الفشل الكلوي ومرضي الكبد من تناول الفسيخ لأن الفسيخ قد يؤدي أيضاً بالنسبة لهؤلاء المرضي إلي فشل كبدي وكلوي. أضاف د.غانم أن تناول الفسيخ الملوث ببكتيريا كلوسترتديم الخطيرة التي تفرز سموماً تسمي البيتولزم وهي سموم فتاكة حيث إن 20 نانوجرام كفيلة بقتل الإنسان وخطورة التأثير السُمي لهذه المادة أن أعراضها تظهر بعد تناول الفسيخ الملوث بيوم واحد وقد تظهر بعد أسبوع وهذه الأعراض في البداية تظهر بأعراض مشابهة للنزلات المعوية البكتيرية وعلي هيئة غثيان وقئ وآلام بالحلق وعدم الشعور بالراحة بعد تناول الطعام وغالبية المرضي يتوجهون إلي الصيدليات لشراء بعض الأدوية دون استشارة الطبيب ومن ثم فإن الحالة قد تتطور إلي شلل وظيفي للأعصاب المغذية لعضلات العين الأمر الذي ينتج عنه سقوط في الجفن العلوي وحدوث ازدواج بالرؤية. ومن الممكن أن تؤدي هذه السموم إلي إصابة الأعصاب المنظمة لحركة العضلات بالقفص الصدري حيث يعجز المريض عن التنفس الطبيعي وإن لم يعالج المريض بشكل صحيح فإن المسألة تنتهي بالوفاة.