الإذاعة المصرية التي قامت علي أكتافها نشر الوعي والثقافة عبر عقود وسنوات.. داخل وخارج القطر المصري.. هذا الكيان العريق يتعرض لحالة من الهجوم عليه وتصفيته.. تري هل هذا ضمن الحرب التي شنت منذ أكثر من ثلاثين عاما علي تجريف الثقافة المصرية؟ أم أنه الإهمال والجهل الذي انتشر في مؤسسات الدولة لتفريغ العقول من الثقافة والانتماء؟ أم أن ما يحدث من قتل ممنهج لهذا الكيان المتماسك بفضل حب العاملين فيه فلم ينهار حتي الآن أم أنه ما بقي من سلسلة بيع أصول ما يمتلكه الشعب المصري لصالح رجال الأعمال.. الأمر مطروح في صالون المساء وسط كوكبة من كبار الإذاعيين منهم زينهم البدوي نائب رئيس التليفزيون ومحمد إسماعيل رئيس البرنامج الثقافي ومحمد جراح وصلاح معاطي وبراء المطيعي وسعد القليعي ود. عطيات أبوالعينين.. ود. أسامة أبوطالب وأسعد رمسيس ومحمود السيد وزكريا صبح وعبدالناصر العطيفي ومحمود بطوش والطفل يوسف مقار. زينهم البدوي: لدينا إجماع علي خطورة دور الإعلام.. فطيبه يعم الآفاق ومستصغر شرره يأتي علي الأخضر واليابس.. وحسبنا مقولة "جوبلز" وزير الدعاية النازي "أعطني إعلاما بلا ضمير.. أعطك شعبا بلا وعي". ونذكر معا الرائد إيهاب الأزهري وكتابه "الناس علي دين إذاعاتهم" وهو يعني الإذاعة وثقافة الاستماع لها البدء.. لدينا إجماع علي أهمية الإعلام ولكن هل لدينا إجماع علي رسالته التي لا يجب أن تخرج عنها أهداف الإعلام الثقافي وتحديدا المسموع.. الحق أن الإذاعة تبلي بلاء حسنا لمستواها الثقافي لجمهورها المستهدف.. وإذا انطلقنا من أبسط مفاهيم الثقافة وهو أنها انعكاس إيجابي للمعارف والخبرات علي السلوكيات وأنها في دور هذا المفهوم لا ترتبط بالضرورة بمستوي التعليم أو المستوي الاقتصادي أدركنا أن أهمية الإذاعة للنهوض بمستوي الجمهور الثقافي المستهدف علي مختلف نوعياته.. محمد إسماعيل: الثقافة تقدم من خلال الإذاعة المصرية فهي ليست قاصرة علي البرنامج الثقافي.. ودعينا نعترف أن المشكلة هي غياب الرؤية.. وفيمن يدخل للعمل الإذاعي فبعضهم لا يرقي للعمل ومنهم من دخل بواسطة ومن هنا تكمن المشكلة وربما منذ تحول منصب رئيس الإذاعة لمنصب سياسي أكثر منه إعلامي أصبحت هناك مشكلة.. وفي الوقت الحالي هناك تراجع لتقديم البرامج الثقافية في التليفزيون وانتشار البرامج السياسية والتوك شو.. وربما يعود هذا بالمستمع إلي الإذاعة.. لكي تعود الإذاعة لابد من دعم إرسالها فهو ضعيف ولا يصل. د. أسامة أبوطالب: تربينا علي الإذاعة ببرامجها الرائعة من الموسيقي والشعر والأدب وقُدمت وأنا شاب عن طريق برنامج إبراهيم الصحن ألوان من الشعر وهكذا كان دور الإذاعة الكبير في حياتنا هو هذا الدور الذي فتحت عيني عليه في قريتنا والناس متحلقة حول الراديو الوحيد في البلدة ويستمعون لقصائد من التراث ثم يسألون عن المفردات ويعرفون.. هذا الدور جعلني مؤمنا بأن هناك قانونين يحكمان العالم قانون أزلي وهو قانون الإرادة الإلهية ولكنه معطل حتي يفهم البشر قوله أما الذهب فيذهب جفاء.. القانون الثاني هو القانون الاقتصادي الشهير العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة ونحن بين القانونين متوقفة إرادتنا.. وهنا تصبح المسئولية مسئولية الصفوة وهي تعادل الدولة الجهاز المتحكم في العقل.. أنني أردد مقولة توفيق الحكيم الحاكم الجيد ينتج محكوما جيدا والمحكوم الجيد ينتج حاكما جيدا. محمد جراح: بداية التدهور من عصر السادات عندما أزاح مجموعة كبيرة من الإعلاميين وأتي بمن هم دون المستوي لتولي إدارة الكفة الإعلامية من محدودي الثقافة واستمر التجريف في عهد مبارك ومازال هذا مستمرا فنحن علي أعتاب هيكلة في شهر يونيه القادم وعلي أعتاب بيع محطات وقنوات إذاعة وتليفزيون.. إننا من محبي الإذاعة نعمل بقوة الدفع الذاتي.. هناك قتل ممنهج لماسبيرو.. وقد تحدثنا كثيرا ولا مجيب.. تلك الهيكلة القادمة نحن كمسئولين لا نعرف عنها شيئا نتحدث عن الثقافة وهناك مؤامرة للقضاء عليها.. فنحن علي شفا كارثة وللأسف تشارك فيها الدولة المنحازة للإعلام الخاص.. نحن نعيش زمن أحمد موسي والدولة التي تشجع علي هذا سوف يأتي ضربها من هذا الإعلام الخاص وهنا تكمن خطورة من يربي وحشا في بيته. أسعد رمسيس: من يستطيع أن ينسي أبلة فضيلة.. ألف ليلة وليلة.. قال الفيلسوف.. مسلسلات الخامسة والربع.. علي تلك الدرر تربينا وتربي وجداننا.. أما مشاكل الإذاعة والتي أري أنها متلخصة في موجاتها الضعيفة فلماذا لا نفكر في دعمها من خلال تبرعات أو دمغة تضاف علي فواتير الكهرباء وفي هذه الحالة نستغني عن دعم رجال الأعمال الذين يبحثون عن مصالحهم. سعد القليعي: ربما الدولة متعمدة أو غير منتبهة إلي أننا نحتاج لتكوين وعي ثقافي وأن هذا لصالحها قبل أي شيء.. وربما كانت لا تريد أصحاب الرؤية.. والدليل اختيارهم للرجل غير المناسب في المكان المناسب كذلك ضعف الموجات التي تنطلق عليها البرامج الثقافية.. الحال لدينا يشبه ما يأتي في الصحف والتعامل مع الصفحات الثقافية فهم يلغونها لأجل ماتش كرة وهكذا الشأن مع البرامج الثقافية التي توضع علي الموجات الضعيفة وفي الأوقات الميتة وهذا تعمد وتخريب.. د. عطيات أبوالعينين: منظومة التدهور واحدة وليست خاصة بالإذاعة.. إنما الغبن وقع علي الجميع ولننظر لمذيع ربما ليس الأفضل يتقاضي مائتي وخمسين ألف جنيه في الحلقة وزميله المتفوق المثقف الحقيقي راتبه لا يكفيه.. الفساد في كل شيء واتحاد الإذاعة والتليفزيون جزء من منظومة الدولة التي فسدت.. لذا علينا بالعودة للجمهور والالتحام به.. وأن نطرح مجموعة أسئلة.. هل الشباب يتقبل ما نقدمه؟ هل هو منجذب للإذاعة أصلا؟ محمود السيد: منذ انطلقت الإذاعة المصرية عام 1934 وقد أخذت علي عاتقها القيام بالدور التنويري والثقافي.. والسياسي وتعميق الشعور بالانتماء والالتفاف حول هدف قومي واحد.. وقدمت هذا من خلال التعليم الموسيقي والدراما وغيرها حتي انحسر الضوء عنها بميلاد التليفزيون. صلاح معاطي: نعتقد أن السبب الرئيسي في انهيار الإذاعة النظر إليها علي أنها وظيفة إدارية ولكنها وظيفة فنية.. أن من جيل تعب حتي يكون تم اختباري من لجنة ضمت أساطين الإعلام هذا غير إثني عشر دورة تدريبية.. التزامنا بميثاق شرف الإعلامي وعشقنا للإذاعة هو الذي جعلنا نعتنق أن الإبداع والفن والحرية وعلينا أن نكمل كإعلاميين مع المستمع.. لابد أن نعود إليهم ببرامج تعرض مشاكلهم وتعطيهم المضمون الثقافي المهم وعلي الهيئات الثقافية سد الفجوة بينه وبين المواطن. عبدالناصر العطيفي: في فترة انطلق التفكير من وعي جمعي فكانت مصر متحققة بفضل رؤية معينة تفرض نفسها فكانت تجذب من يستمع إليها والآن وبعد الخصخصة سمعنا برامج لا ترقي وتقوم علي أشياء وهمية فكيف يمكننا أن ننهض وأحترك كل ما قيل ولكنني أري أن هدم الإذاعة يا من انهيار التعليم. محمود بطوش: الإعلام كفكرة تابعة للسياسة ومعظم الأنظمة العربية يكون الإعلام بوقها الأهم.. هناك أزمة بين المبدع الإعلامي الذي يؤمن بالحرية وبين عمله كتابع للسلطة وإن كانت المعاناة موجودة.. إن المجتمع المصري من المجتمعات الرضيعة وعلينا بتربيته ولا أعرف كيف ينتظر من وزارة الثقافة أن تعيد بعائد مادي وربحي للدولة. زكريا صبح: توقفت عن سماع الإذاعة منذ ثورة 30 يونيه والسبب غياب المعارضة إذن أصبحت الصوت الواحد ولذا ابتعدت وإذا كنا نحمل الدولة مسئولية حالة التدري للإذاعة وأنا ألا أميل لهذا فهي أحد أذرع النظام كالصحف الوطنية.. وعلي الإعلامي أن يكون كالطبيب موضوعي ولا تميل لجهة علي جهة. يوسف مقار: لا أستمع للإذاعة كثيرا لأنها لا تطور نفسها ولا تقدم ما يجعلني وجيلي ننجذب إليها وهذا يجب النظر إليه فهي لا تواكب العصر فهم مازالوا يذيعون برامج الأطفال كما كانت من ربع قرن.. عليهم أن يواكبوا الوسائل المبتكرة التي تتطور بسرعة شديدة وتبحث عن الشباب أما الإذاعة فلا تفعل هذا.