تتباعد الرموش تلقائياً في توقيت بيولوجي محدد. هي السادسة.. لا بديل عن النهوض. متي أصبحت الخيارات مستحيلة إلا من خيار واحد؟! تحديات اليوم بدأت منذ اللحظة كامتحان ثقيل في منهج لم يقرأ من قبل!. ولا بديل عن النجاح. تتجاهل سرسوب الألم الذي وخز القلب بغتة. تنهض متثاقلة تتحسن اناء اللبن والخبز وشرائح الجبن والزيتون. تعد الإفطار وساندوتشات المدرسة. رغم الألم.. تسابق الزمن.. تتصيد الأشياء من اماكنها دون أن تراها!. تمرق لأطفالها. تربت بحنان علي وجوههم. تمتلك قدرة مذهلة علي انتزاع ابتساماتهم وهي توقظهم. تفعل الشيء نفسه مع زوجها. مهرولة تمضي لعملها. الجو يفيض بحرارته فيصب علي الوجوه شواظاً من جمر. ولا أثر لأية حركة هواء. والمروحة الوحيدة في المكتب لا تعمل. تحملين فوق طاقتك. والصحة لا تعوض. قالتها سناء وهي تنقر بأصابعها علي الكيبورد. ربنا عالم بالحال.. قالتها بتسليم. استطردت سناء: كأنك المسئولة عن هموم العالم بأسره. دائماً شاردة ذاهلة واجمة.. ارم وراء ظهرك. ومن ذا الذي يحمل ما أرميه؟.. الخدمة شاقة. والأولاد طلباتهم لا تنتهي. ومتاعب العمل وسخافاته. ومشقة المواصلات. ونزيف اهدار الكرامة. وأعباء المنزل. ومذاكرة الأبناء. وتدبير النفقات والجمعيات. هو لا يفعل لنفسه مجرد كوب من الشاي!. منذ تزوجنا وهو يستأثر بكل الحب والحنان. مع الأبناء تولدت منابع جديدة فاضت حناناً دون أن تأخذ من نصيبه. والقلب تتقاذفه موجات الحزن والرجاء.. من لم يعرف سوي العطاء.. فلماذا يفعل؟!. منحني الصحة في هبوط مستمر. كأن المرض حق للجميع عداي!!. يتعبون فلا يغمض لي جفن حتي يكتب لهم الشفاء. وأنا تصفعني نظرات اللوم والاستنكار إذا ما فكر المرض في الاقتراب مني!. كأني آلة لا يحق لها أن تتعطل!. ومن يخدم ويلبي؟!. ومن يحن ويعطف؟!. ومن يرق ويدلل؟!. القلب ينبوع لا ينضب من الحنان.. فما بال قلوبهم تحجرت؟!. أفاقت علي صوت سناء تقول بحسم:- اليوم لابد أن تذهبي للطبيب. وإلا لن تجدي نفسك!. في طريق العودة تتسارع وتيرة الألم بشكل مفاجئ تعصف بكل مراكز الاحساس. تجمع بقايا عزم واهن. تقاوم. تتعلق باحتياجات المنزل كحبل ضاغط يطوق رقبتها. وصور الأبناء تتراءي أمام بصرها الزائغ. الألم يتمكن منها كمخاض امرأة تلد. يتهاوي العزم.. تنهار الارادة. وخيبة الأمل وقلة الحيلة. ونظرات الأبناء تتقافز في مرجل علي ألسنة لهب. يتواري الزمن. تتعتم الأمكنة. تتابع صور باهتة للطفولة علي خلفية جدار تشكلت عليه صور لواقع يقطر مرارة. ألطف يارب. بلا وعي رددها تاحدهم. انخلعت لوقعها قلوب واجمة.. من حوقل.. واختلطت الشهقات ومصمصات الشفاه ورفعت حاجبيتها من هول اللحظة.. والخوف أن يصيبها الدور فتسقط يوماً دون أن تدري!. الحلقة حولها تضيق وتزدحم. بعضهم قتله التطلع لمعرفة ما وراء الحدث.. وآخرون يتحركون بآلية. في خجل تتحسس غطاء رأسها لتحكمه علي شعرها. وهي تنقل بقصرها بين عيون مشفقة وأخري ذاهلة.. متطلعة. نظرات متحرشة تتوغل في المساحات الضيقة التي لم تفلح في سترها. وجوه أزعجها أن تفيق قبل أن تفرغ من ملامسة جسدها بحجة افاقتها!. إعياء شديد يجتاحها كمن استيقظ في مدفنه بعد موات. تسرح ببصرها.. تتذكر.. يداعبها الأمل في ابتياع حوائجها أشبه بمن يتعثر فيقوم من عثرته ليواصل رحلته!. استبد بها الوهن واليأس إلا من بصيص أمل خادع. زم شفتيه وهو يزفر في ضيق والمائدة خالية من طعام الغداء. لبرهة تجسد لها ما مر بها من أهوال. همّت أن تنطق. ماتت الكلمات علي شفتيها وهي تنظر إلي ملامح وجهه الجامد. المستاء. اللائم.