رغم إشفاقي علي المسئول أي مسئول بسبب حجم المشاكل وتراكمات السنين الطويلة وقصر ذات اليد الحكومية. إلا أنني أشعر وأكاد أجزم أن ما أشعر به صحيح. أن كثيراً من المسئولين لم يعودوا يأبهون بما يكتب في الصحف أو يقال في الفضائيات وكأنهم اكتسبوا مناعة ورثوها كابراً عن كابر. فالوزير الذي يرحل يتركها ضمن أثاث المكتب والمحافظ الذي يجبر علي الرحيل. تكون "وصيته لخليفته" اجعل أذناً من طين وأخري من عجين. نحن نكتب ولا نتوقف عن الكتابة وفي صنوف الإعلام الأخري. لا يتوقفون عن الكلام وطرح المشكلات وفي خط متواز وأكثر سخونة فإن الإعلام الشخصي أو الشعبي علي فيس بوك وتويتر يتعالي منه الصراخ صوتاً وصورة وكتابة. ولكن لا أحد يجيب.. ربما لأن حجم الطرح للمشاكل زاد.. ربما لأن مشاكلنا باتت محبطة وفوق قدرات المسئولين الذين يشعر معظمهم بالعجز. علي سبيل المثال. كتبت هنا من قبل عن البحيرة. وعن مستشفي نديبة الذي لا يعمل. والناس التي تموت ومياه الصرف الصحي التي يشربها الناس. ولم نجد حتي فنياً بسيطاً يجبر خواطر الناس بزيارة وهو يحمل في يده "مفتاح صليبة" يضرب به علي المواسير. أو رجلاً برداء أبيض أو ببدلة وكرافتة يزور المستشفي صباحاً بنظارته الشمسية فيخزي عيون الناس أو رجلاً يضع قارورة في مياه الترعة. ليشرب الناس الوهم وهم يظنون أن بلدهم تهتم بهم استبشرنا خيراً بالدكتور محمد علي سلطان المحافظ الجديد أن يفعل شيئاً.. أي شيء. وبالرغم من أن الرجل جاء منذ أيام قليلة إلا أننا طماعون وكنا نتطلع إلي لمسة سريعة.. عسكري مرور يقف علي مدار الساعة في الملفات الخطرة علي الطريق الزراعي. خاصة في مدخل طريق حوش عيسي.. زيارة لمستشفي توقف عن العمل منذ ربع قرن أو أن يفتح أبوابه لمريض.. أن يتغير موعد وصول المياه ليصبح ساعة ونصف في اليوم بدلاً من ساعة.. أي شيء. ولكن لا جديد سوي التردي ومزيد من الفوضي. يا سيادة المحافظ: هناك عزبة اسمها بلتاجي علي طريق حوش عيسي. قبل نديبة مباشرة. لم تشرب مياهاً نقية منذ أكثر من عشر سنوات وضجت بالشكوي ولا مجيب. يا سيادة المحافظ: هناك عزب بأسماء بلا حصر.. في البرنوجي والعمرية وحفص وفي زاوية غزال وسنهور وبني هلال والأبعادية وسنطيس وفي حوش عيسي والدلنجات وغيرها. تقطعت بها السبل في أيام الشتاء. وانقطعت عن العالم. ويشكونا أهلها إلي الله. يا سيادة المحافظ: مستشفي نديبة فقط تحتاج إلي قرار أن تعمل حتي لو لم يفعل الأطباء شيئاً سوي أن يجلسوا فيها. أو يمنحوا الناس جرعة "سلفات" كما كانوا يفعلون أيام زمان. يا سيادة المحافظ: مرضي الكبد ينتظرون أمام المركز المتاح أمامهم في المستشفي التعليمي ولا يجدون مظلة تقيهم الشمس أو المطر.. هذا المركز ليس سوي حجرتين يستقبلان المئات يومياً وبالمناسبة كل من فيه من أطباء وعاملين بقيادة الدكتور خالد فراج أبطال وجنود مجهولون.. لكنهم أحياناً يقفون عاجزين أمام الامكانيات الضئيلة والشحيحة.. هم يشفقون علي الناس لكنهم لا يملكون سوي الحب والتفاني والإخلاص. يا دكتور سلطان: هناك مدارس بلا تلاميذ لأنهم يئسوا من أن يتعلموا. ومدارس بلا مدرسين لأنهم يئسوا من أن يُعلموا. ومكاتب بلا موظفين. وأخري يتكدس فيها الموظفون. يا سيادة محافظ البحيرة: اعذرني فليس فيها من هو أعلي منك.. اجلس مع الناس.. تجول في الشوارع.. افعل أي شيء غير أن تسير علي نهج من قبلك.. لا ننتظر منك سحراً ولا أن تحل كل مشاكلنا لكن اظهر لنا أنك تحاول. ہہہ ما قبل الصباح حين يشرب الناس من "الصرف الصحي" ونسكت.. أخشي أننا لم نعد بشراً.