أقدر ثقة البنك المركزي في اجراءاته التي اتخذها مؤخراً بهدف توحيد سعر صرف الدولار قبيل عقد مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي. وقد فقد الجنيه علي أثر هذه الاجراءات نحو 7.6% حتي الآن. كما أثق في ان إدارة البنك المركزي إدارة محترفة وجريئة في قراراتها. لكن ما لا أثق به هو رهان البنك المركزي علي عدم ارتفاع أسعار السلع والخدمات في السوق المحلية خاصة السلع الغذائية سواء المدعمة أو غير المدعمة. ويبني المركزي توقعاته بعدم ارتفاع الأسعار المحلية علي خلفية تدهور أسعار النفط العالمية وتراجع الأسعار العالمية للغذاء المترتبة علي ذلك. قد يكون هذا التصور مقبولاً من الناحية النظرية وفي أية أسواق منضبطة أخري بخلاف السوق المصري. لكن علي أرض الواقع المحلي لم يحدث ان انخفضت الأسعار العالمية لاحدي السلع وامتد هذا الانخفاض إلي السوق المحلي. وعلي العكس تماماً ما ان يرتفع سعر الدولار أمام الجنيه إلا وبادر التجار إلي رفع أسعار سلعهم علي الفور ودون ان ينتظروا حتي إلي الاستيراد بالأسعار الجديدة. يحدث هذا طبعاً في ظل غياب تام لآليات الرقابة أو للأجهزة الرقابية بدعوي حرية الأسواق وآليات العرض والطلب. وربما أحدث مثال علي ذلك عندما انخفضت الرسوم الجمركية علي السيارات الأوروبية بنسبة 10% فلم نر لذلك اثراًفي سوق السيارات بل رأينا زيادة جديدة عن مستويات أسعار العام الماضي. وإذا كانت السيارات سلعة لا تهم الغالبية من الشعب المصري الا ان قانون السوق المصري واحد سواء في مجال السيارات أو أسواق الغذاء. وفي تصريحات لمصدر رفيع المستوي بالبنك المركزي قال ان القيمة العادلة للجنيه أمام الدولار هي 775 قرشاً أي بانخافض نسبته 8% واستند المركزي في تحديد هذه القيمة العادلة لتقييم احدي المؤسسات المالية العالمية وهو ما يتعارض مع تقييمات سابقة للمركزي بل ان البنك نفي مراراً قبل شهور الشائعات التي كانت تتوقع زيادة الدولار إلي 8 جنيهات. فإذا بنا رسمياً علي طريق الوصول لهذا السقف. في الوقت الذي مازال هناك فارق لا بأس به بين السوقين الرسمية وغير الرسمية "نحو 26 قرشاً" مع الاعتراف بحدوث تراجع في أسعار الدولار بهذه السوق بعد ان كان السعر قد بلغ نحو 8 جنيهات. وارجو ان تشهد هذه السوق مزيداً من التراجع حتي لا تضطر الحكومة ان تدخل معها في سباق علي حساب الجنيه. ورغم ان مصادر "المركزي" أكدت حصول البنك علي موافقة الحكومة علي سياسته بخصوص خفض قيمة الجنيه إلا ان الحكومة لم تعلن عن أي سياسات أو اجراءات لمواجهة أية آثار سلبية مترتبة علي ذلك للحفاظ علي مستوي معيشة المستهلك خاصة بعد زيادة أسعار الكهرباء والغاز والبنزين والسولار. لقد راعت السياسة النقدية للبنك المركزي أعباء الموازنة العامة والحد من تأثيرات الزيادة المتوقعة لفاتورة الدعم الغذائي علي العجز وذلك من خلال خفض أسعار الفائدة بواقع نصف في المائة. في حين لم تراع سياسات الدولة - حكومة أو مركزي - المستهلك الذي تأثر سلباً بكل من قرارات خفض سعر الفائدة وخفض قيمة الجنيه. أما رهان المركزي علي انخفاض فأسعار السلع في السوق المحلي فاعتقد انه سيكون رهاناً خاسراً إذا لم تسانده سياسات رقابية داعمة من الحكومة.