* ما إن وقع الاعتداء علي صحيفة "شارلي إيبدو" حتي تبارت الصحافة العالمية تطلق عليه وصف "11 أيلول الفرنسي" في إشارة خبيثة لحادث 11 سبتمبر 2011 الذي دمر برجي مركز التجارة العالمي بأمريكا. وأزهق أرواح نحو 3 آلاف شخص. وما استتبع ذلك من تداعيات مريرة جلبت الدمار إلي المنطقة العربية علي يد بوش الابن والمحافظين الجدد المتطرفين. إذ تذرعت به أمريكا لاحتلال أفغانستان ثم العراق. وسمحت لليمين الإسرائيلي وقتها بإلغاء اتفاقية أوسلو. وإعادة احتلال الضفة الغربية في محاولة لتبديد معالم القضية الفلسطينية تحت غطاء أمريكي.. بينما لم تر هذه الميديا ما يجري في مصر إرهابا يستوجب الإدانة.. وتلك قمة الازدواجية. صادف الهجوم علي "شارلي إيبدو" للأسف عودة ظاهرة "الإسلاموفوبيا" أو الخوف المرضي من الإسلام إلي الغرب. خصوصا ألمانيا التي تضم حركات ومنظمات جديدة معادية للإسلام. ترفض ما تعتبره "أسلمة" لمجتمعاتها. ويأتي في صدارة تلك الحركات منظمة "بيجيدا" أو "تحالف الأوروبيين الوطنيين ضد أسلمة الغرب" والتي بدأت بالفعل في اجتذاب عدد آخر من المنظمات. من بينها "النازيون الجدد" ومشجعو الكرة الهوليجانز إلي جانب الآلاف من الألمان العاديين.. ولا تكف أمريكا عن تغذية مخاوف هؤلاء بأن أوروبا هي الهدف القادم للإرهابيين الدواعش والتكفيريين. ناهيك عن عوامل أخري للكراهية مثل ملف الهجرة التي ترفع معدلات البطالة والأزمات الاقتصادية الطاحنة هناك.. وإذا صح ما ينسبه الغرب لهؤلاء المنتمين للإسلام الذي هو برئ من كل اعتداء علي النفس والنسل والمال والدين فإن الغرب ولاسيما أمريكا لم تسأل نفسها سؤالا قديما متجددا: لماذا يكرهوننا ومن يرعي تنظيمات الإرهاب والتطرف في العالم العربي لوجيستيا وتمويلا واستخباراتيا.. ومن الذي احتضن داعش وأخواتها ومكنها من التهام أجزاء بالعراق وسوريا.. ومن يشعل الصراعات في ليبيا وغيرها من بؤر التوتر والتمزق العربي.. يمكنني القول باطمئنان إن التنظيمات الراديكالية المتأسلمة من لدن تنظيم القاعدة هي من صنع أمريكا وحلفائها وخصوصا تركيا التي لا تزال تتآمر حتي هذه اللحظة لخنق ثورة 30 يونيو المصرية التي أطاحت بالمشروع المشبوه لتقسيم المنطقة وتفتيتها بإذكاء الروح الطائفية البغيضة بين أبنائها. بأيدي طائفة منهم تقتل باسم الدين وتمزق الأوطان تحت راية الجهاد المزعوم!! لقد تنادي المجتمع الدولي لإدانة الإرهاب المدان أصلا شرعا وعقلا عقب موجات العنف التي ضربت فرنسا.. بينما أصابه الخرس ووقف يتفرج علي ما يحدث في مصر من إرهاب بعد 30. الأمر الذي يكشف عن ازدواجية ممقوته طالما مارسها الغرب معنا.. وكأنه لا يملك أداة ردع تمنع وتجرم الإساءة للأديان وهو الذي جرم مجرد المساس ب "الهولوكوست" حتي أن القضاء الفرنسي أدان المفكر المسلم الفرنسي أيضا روجيه جارودي بسبب تعرضه بالنقد للهولوكست.. بينما برأ القضاء ذاته صحيفة "شارلي إيبدو" من تهمة الإساءة "المتكررة" إلي نبي الإسلام مدعيا أن الاساءة تضمنت قسما بعينه هم الإرهابيون وليس المسلمين جميعا.. وإذا فرضنا جدلا أن ما تعرضت له الصحيفة من اعتداء جاء كرد فعل لتلك الإساءة بحسب ما نقل منسوبا لتنظيم داعش الذي تبني تلك العملية أفلا يستوجب ذلك تجريم مثل هذا الفعل دوليا بتشريعات رادعة تحدد أولاً مفهوم الإرهاب وتفصل بوضوح بين حرية التعبير وازدراء الأديان وخصوصا الإسلام ورموزه احتراما لمشاعر أكثر من مليار ونصف المليار مسلم ومنعا للفتنة والاحتقان والتطرف.