أعيش هذه الأيام وكأني أعيش كابوساً من الأحلام. أعيش في بلدي مصر التي نشأت فيها وقضيت أجمل أيام عمري وذكرياتي حلوها ومرها. شريط طويل من الحياة يزيد علي نصف القرن. ولم أكن من نوع محبي السفر. لهذا غطست في هذا البلد وناسه. أراه الآن يجعلني أسأل هل هذه هي مصر؟ هل هؤلاء هم أهلها؟ نري غلا وحقداً وتشفياً وفرحة حتي في الموت وشماتة حتي في المرض. كل شخص أصبح يسب كل شخص. كل فرد يشتم ويتجاوز لا يحاور أو يتكلم. الجيران يشكون بعضهم ويقدمون بلاغات ضد ناسهم وأهلهم. فوضي وبلطجة في كل مكان وزمان. رعونة أمنية غير مسبوقة وغير مبررة. إعلام ينشر لمجرد شائعة أو كلام مرسل من صديق للصحفي أو الإعلامي يشهر بأسرة كاملة. أسرع من أي قاض أو محقق المهم أسئ لسمعته وخلاص. شخص خرج علينا ليقول علناً "والله لا أعرفه" الصف الثاني اللي اشتغل قبل يناير "بره" وكأنه صاحب البلد. ياسيدي أساساً قبل يناير لم يكن هناك صف ثان المهم حوارات تنتهي بشتيمة علنية تروج علي الصفحات والنت والفيس بوك وغيرها. ناهيك عن المظاهرات والاحتجاجات الفئوية وأصبحت فردية فيها سب وشتائم لكل رؤساء الهيئات والمصالح. البلطجية والباعة الجائلون في وسط الطريق يقفون بعنف وبلطجة. كل هذا نتاج حكم فاسد سابق؟ هل أفرز هذا الفساد الذي قضي علي الأخضر واليابس؟ الكاذبون في وسائل الإعلام وكأنهم علماء مصر. هل اختفاء الشرفاء أدي إلي ظهور هذا النبت؟ أسئلة في رأسي العجوز بلا رد. هذا الانهيار المجتمعي الذي يحدث.. البعض يقول الثورة دم لازم نشوف دم نعم قيلت أمامي.. طيب ثورة 52 لم يكن فيها دم.. إيه ده؟ إيه الحكاية؟ لو في رد حد يرد علي.. هل هذه هي مصر؟ هل أصبحت هكذا؟ ومتي تعود مصر؟ وهل من أمل؟ وكيف تعود وهذا الزخم في ازدياد وتكاثر كالوباء.. يارب إحم هذا البلد.. يارب تعود مصر كما رأيتها في شبابي من أجل أولادنا وأحفادنا ولا نتربص ببعضنا البعض وننتقم لمجرد مصالح شخصية أو أحقاد. نعم كنا نعاني في الماضي من تكميم الأفواه علي يد النظام السابق ولا أحد يستطيع أن يتلفظ بكلمة واحدة ضد هؤلاء الأباطرة رغم أننا كنا نشاهد مخالفاتهم "عيني عينك" ولو تجرأ واحد منا علي الحديث عن مخالفة أو ذكر اسم أحد الأباطرة الذين هم في السجن الآن ولو سهوا لكان نصيبه السجن أو البهدلة أو تشويه سمعته وهذا ما حدث مع أحد رموز الصحافة الشرفاء الذين تحدثوا مع نجل الرئيس بصدق وجرأة وكان نصيبه أن سلطوا عليه بعض الشخصيات الذين سموهم "كلاب السلطة" وجعلوه ينهش في ذمة هذا الرجل الشريف حتي يجعلوه عبرة لغير. أرجوكم إذا كانت الثورة قد منحتنا الحرية فعلينا أن نستخدمها بالطريق الصحيح حتي لا تجعلوا الناس تترحم علي الماضي الأليم.