لعلها المرة الثالثة التي أرسل لك فيها.. وفي نفس الموضوع أمل ولن أتنازل عن أخذ رأيكم فيما يريح عقلي ويخرجني مما أنا فيه ويساعدني علي العيش في واقعي الذي رفضته وأصبحت لا أعيش فيه. لقد تخرجت في الجامعة العام الماضي.. عشت قصة حب طويلة مع شخص يكبرني بعشرة أعوام.. تذوقت خلال هذه الفترة ألوان العذاب من الخوف والقلق فأنا والحمد لله علي خلق ودين وخوفي كان من غضب الله.. وقلقي من فقدان ثقة أهلي بي إذا علموا بهذه العلاقة. ولهذا الشعور وهذه الأسباب حرصت علي تحديد علاقتي به بشكل ملتزم ومحترم.. وقد بهره عقلي الكبير وأخلاقي العالية لدرجة انه كان يخشي أن يتفوه بكلمة تخدش حيائي.. وحتي رغم قوله لي بأني أبدو كصديقة ولست حبيبة.. إلا ان هذا الكلام كان يزيدني إصرارا علي طريقتي في الحوار معه أو التعامل.. وكنت أقول لنفسي : لعل هذا التصرف يكون مبررا لعدم شعوري بالذنب لأنني أخفي علي أهلي تلك العلاقة.. استمرت العلاقة الجميلة بيننا لم يكدرها إلا رفض أهلي له لظروفه المادية الصعبة ولظرف صحي لا يعوق الزواج. كان هذا الرفض يقلقه هو الآخر ويسبب له التعاسة وكثيراً ما طلب مني عدم تركه لأنه يحبني بشدة وكان عذابه يزداد لأنه يعلم انني فتاة مرغوبة من الكثيرين الذين يتقدمون للزواج بي والذين يراهم أفضل منه بكثير وكان كلما قال هذا ألوذ بالصمت لأنه عندي أفضل منهم جميعاً ولكنني كنت أخشي أن يظن انني أطيب خاطره.. ولكنها ليست الحقيقة. يكفيني ثقافته وعلمه وهذا ليس كل شيء.. بل هو وسيم بشوش وجميل الوجه لدرجة لافتة للنظر.. طيب القلب وهو أيضاً متحدث لبق ولكن عيبه الوحيد هو نظرته التشاؤمية وقسوته علي الآخرين إذا ظن بهم السوء.. لا أستطيع القول بأنه رجل معقد لذلك حرصت علي أن أنهي هذه القسوة عنه.. لأنها تتنافي مع طباعي الطيبة ورقتي وبكائي إذا رأيت ضعيفا أو مظلوما دعوته ليغير من نفسه وطباعه حتي يحبني بصدق وبالفعل بدأ يتغير بمرور الوقت إلي أن أصبحنا متوائمين بدرجة عالية.. ثم حاولنا مع والدي الذي سبق ورفضه إلا أن والدي كان يراني صغيرة وان هذا الشخص غير مناسب لي وباءت المحاولة الثانية بالفشل مما دفعه للعودة لقسوته وتشاؤمه.. بل كان أحيانا يقسو علي أنا حبيبته.. عذرته فهو جريح بسبب والدي الذي رفضه وقد زادني هذا قرباً منه وتمسكاً به. في لحظة غضب وقسوة اتخذ قرارا سريعا كعادته وخطب فتاة أخري ليعاقب أهلي ويشعرهم بأنه مرغوب.. ونسيني.. نسي ان هذا الأمر عقاب لي وليس لهم.. عاقبني علي صمودهم في وجه أهلي وأصدقائي تركني كأنه لا يعرفني لم يرن في يوم من الأيام.. دون كلمة مجرد كلمة يودعني بها لم يفعل. هكذا وقعت في بئر من الأحزان وحدي مصدومة تعسة.. ثم تبدلت.. نعم أصبحت إنسانة أخري أنا التي كانت تحب جميع الناس تؤنسهم وتأنس بهم.. أصبحت أفضل العزلة والوحدة.. عشقت الصمت وصاحبت الدموع.. لم يكن لي رفيق يساعدني علي محنتي إلا كتاب الله الكريم.. حتي مرت هذه الفترة بكل أحزانها.. لكني لم أنساه لحظة واحدة فكنت دائما أفكر فيه وينتابني شعور بأننا سنعود يوما. لقد كان لشدة قربه مثل ابني أو جزء عزيز مني.. شعرت بأنني فقدته بغتة.. رضيت بما فرضه علي تجربتنا بقرار سريع غاضب ولم أفكر في اقتحام حياته.. إلا انه بدون سابق إنذار عاد ثانية معتذرا نادما متعللاً بأن ما حدث رد فعل طبيعي لرفض أهلي.. وان هذا التصرف كان بمثابة رد الاعتبار لكرامته الجريحة.. اعتذر لي.. قال انه لم يقدرني كما يجب وانه سيعوضني خيرا وانه سيتغير كما أحبه وكما كنت أريد له أن يكون. لم أستمع لأي كلمة قالها ولم أفكر في شيء من مبرراته فقد كان قلبي بداخله شيء يدافع عنه ويخلق له كل الأعذار قبل أن يتفوه بها.. عاتبته دون أن أسأله عن شيء فيما فعله.. خجلي منعني.. حتي لمجرد سؤاله عن شعوره وهو بعيد عني.. وجعلته يحتفظ به لنفسه وهكذا عدت إليه بعد أن عرفت ان خطوبته قد فشلت وكفي.. لأنني ما كان يهمني إلا عودته وتغيره الذي كان للأفضل. أصبح حنونا أكثر.. لعل الله عوضني علي صبري وآلامي.. عشت خلال هذه الفترة سعيدة به ولكن لم تدم سعادتي طويلاً.. لأنه بعد أن أصبح ميسور الحال وقادرا علي نفقات الارتباط.. قررنا المحاولة مع أهلي للمرة الثالثة ولكنها باءت هي الأخري بالفشل.. وكأن قدري الحرمان ممن أحب.. حاولت ولم تنجح محاولاتي في إقناع أمي مع انها كادت تنجح مع والدي.. لكنه لا يتخذ قراراً كهذا دون موافقة والدتي التي أغلقت الحوار بكلمة واحدة لماذا هذا الشخص بالتحديد الذي تصرين وتلحين في قبوله؟! اتصلت بحبيبي اعتذرت له ولم أقل له السبب الحقيقي لرفض أهلي.. دعوته أن يتزوج ويحاول نسياني فأهلي لن يوافقوا عليه.. وأخشي أن تمر سنوات عمره انتظارا وبالفعل خطب بعد فترة فتاة أخري.. وقد جاء إحساسي غير متوقع.. عدت ألتمس له الأعذار وأقدرها.. لكنني أبداً لن أنساه ولا أستطيع.. كل شيء يذكرني به الشارع التليفون.. الساعة. مرت شهور علي هذا العذاب وأنا لا أستطيع التفكير إلا به.. كلما تقدم إلي عريس لا أقدر علي أن أسمح لنفسي حتي مجرد التفكير في هذا الأمر.. فأنا لا أريد سواه ولكن كيف؟ أنا لا أريد جرح فتاة أخري ولكن أليس هذا الحبيب الذي أضاع عشر سنوات من عمري وحبي الأول.. انني لا أنساه مع انه يمتلك قدرة علي النسيان. لقد عشت الخيال وبعدت الواقع.. عشت لحظاته التي كان معي فيها.. لذلك أريد أن تعيديني للواقع وليس للخيال.. انني لن أفعل شيئاً سوي الانتظار وكأنني سأعيش دائماً علي قرارات الآخرين.. أريد رأيك ووجهة نظرك في تصرفي.. هل أخطأت عندما استمررت في علاقتي به رغم تركه لي في المرة الأولي. سيدتي أعتذر لك علي الإطالة ولكن رسالتي تلخيص لخمس سنوات مضت من عمري. ** ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.. أعتقد ان هذا القول مشهور بما يكفي ومفسر لمعناه بما يجعلني أتحدث معك عن أشياء أخري لها علاقة بالرضا بما قسمه الله للإنسان.. ومن تجربتك وتكرار المحاولة لعلك أدركت بأن هذا الحبيب ليس نصيباً لك.. ولكنك برغم كل ما تقولينه عن صلتك بالله عز وجل إلا أن إيمانك ضعيف.. إيمان المضطر إلي الشيء وليس المقتنع به.. لذلك أنت غاضبة.. ثائرة. يا عزيزتي "لا نكاح إلا بولي" والولي هنا ليس "بصمجياً" أي يأتي ليوقع علي عقد الزواج مثل الشهود.. ولكن للولي رأي في الزواج وهناك حديث شريف قاله النبي. قال فيه: أنت ومالك لأبيك.. رغم اختلاف المناسبة والحديث إلا انني أردت القول إذا كان هذا رأي الرسول في الرجل الذي جعله ملك وماله لأبيه فما بالك بالمرأة التي لا تنكح إلا بإذن وليها.. وجعل هذا لما عرف عن المرأة من خضوعها للهوي وتحكم عاطفتها فيها. لذلك كان لابد من عقل قريب يساندها في لحظة ضعف كاختيار الزوج لاسيما إذا كانت تحبه وتهواه وترغبه دون غيره. وليك هنا له نظرة بعيدة أبعد مما ترين.. هو بعد نفسي بعيداً عن مخيلة الواقع تحت الموقف أي أنت وحبيبك .. فوليك يري ان هناك سبباً مرضياً في الأمر.. وأنت لم تخوضي في هذا الأمر كثيراً ولكن مع فتاة جميلة مرغوبة من الكثير يكون الرجل الذي به علة عبئاً.. فهذا يخلق زوجاً شكاكاً والزوج أو الزوجة الشكاك جحيم في المنزل يهدم الحياة.. لأن هناك عقدة نقص تتحول إلي غيرة وعنت يقتل الأخضر واليابس والدليل كتبته أنت في ثنايا رسالتك هو قدرته علي النسيان أو قسوته عليك أحيانا أو علي الغير. هو لم يتغير كما ظننت فهي طبيعة يخفيها عنك لبعض الوقت لعل والديك استطاعا ببعد نظرهما اكتشاف ذلك ومن هنا جاء إصرارهما علي الرفض لصالحك ثم دعيني أسألك أين قدرتك العقلية التي تحدثت عنها.. لقد مرت التجربة وفشلت لماذا لا تبحثين عن أقرب المتقدمين قبولاً من روحك أو عقلك وتجربين الحياة الواقعية بدون حزن وصمت.. لماذا لا تقبلين علي الله بقلبك وخلجات نفسك المتعبة وتحاولين النسيان.. نعم أخطأت حين عدت المرة السابقة وإياك وانتظاره للمرة الثالثة فهذا درب من الجنون. عزيزتي ليس معني حبك له انه الشخص المقسوم لك.. ارض بما كتبه الله لك وساعدي نفسك فلن نقدم إلا النصيحة والباقي علي الله ثم عليك. فقط اعلمي ان هناك مساحة بين العقل والخيال تدركينها إذا وقفت خارج إطار الصورة ونظرت إليها بعمق تدركين ما لا ترينه وأنت معلقة داخل البرواز.. لك مني النصيحة وعليك الفعل.