لم تكن الكاتبة الراحلة د.رضوي عاشور مجرد روائية وقاصة كبيرة وأستاذة جامعية فحسب فهي فضلاً عن مكانتها الأدبية والأكاديمية كانت أيضاً واحدة من سيدات مصر المناضلات وصاحبات المواقف المحترمة سواء علي مستوي مصر أو مستوي الوطن العربي. حيث عرفت رضوي عاشور بنضالها وكفاحها ضد كل أشكال الظلم والاضطهاد. لذلك اكتسبت محبة واحترام الجميع. نحتفي هنا بالراحلة رضوي عاشور بمقالين للدكتور فتحي أبوالعينين والشاعر محمد كشيك وقصيدة عنها نشرها زوجها الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي في أحد دواوينه وكنا نتمني نشر المزيد من المقالات عن رضوي عاشور لكن للأسف اعتذر العديد من الكتاب ومنهم بعض أصدقائها عن عدم الكتابة وساق كل منهم سبباً يخصه. ثلاثون عاماً تفصل بين أول نص روائي "الرحلة: أيام طالبة مصرية في أمريكا" 1983 وآخر رواية ظهرت قبل رحيلها بأقل من عام "أثقل من رضوي" 2013 وهي حقبة زمنية أبدعت فيها رضوي عاشور أعمالاً تتنوع بين الرواية والمجموعات القصصية والأعمال النقدية أثرت حياتنا الأدبية والثقافية ومن بين هذه الأعمال تبرز الرواية كجنس أدبي يحتوي علي رؤية للعالم تكشف عن موقف المبدع إزاء التاريخ والواقع والعلاقات بين البشر. تبدو الذات الساردة كبنية رئيسية في رواية "الرحلة" فرضوي طالبة بعثة تدرس الدكتوراة في إحدي جامعات الشرق الأمريكي أوائل السبعينيات من القرن العشرين فهي الغربة تتفتح مداركها من خلال الدرس والمشاهدة علي تاريخ وحياة الأفارقة وماضيهم المترع بالظلم والقمع والبطش وتري في بلاد الحرية انتهاكاً للحرية ومقاومة ذلك بالإبداع الأفرو أمريكي وهذا ما سجلته في كتابها السابق وربما أوحي لها ذلك بكتابها اللاحق "التابع ينهض" 1980 لم تفقد رضوي عاشور حيويتها ونشاطها وقدرتها علي الصمود فتشترك في لجنة للدفاع عن الفلسطينيين بالجامعة الأمريكية وتقيم المعارض وتعرض الأفلام لتدعيم القضايا الفلسطينية والعربية وحين يعبر الجيش المصري قناة السويس في أكتوبر 1973 ويستعيد الكرامة للمصريين والعرب يملؤها شعور بالفخر والفرح والنشوة بالانتصار علي العدوان. تحتل الذات الساردة أيضاً موقعاً محورياً في "أثقل من رضوي" التي تعطيها المؤلفة عنواناً فرعياً هو "مقاطع من سيرة ذاتية" في هذه الرواية تصنع رضوي نسيجاً من وثائق ووقائع وأحداث فعلية وماض مؤلم دائماً ولكنه لا يخلو أبداً من أمل تجتهد في أن تجعله لا يفلت من بين أيدي الشباب. لسنوات يحل المرض ضيفاً ثقيلاً علي جسد رضوي فتخضع للعلاج في مصر وتتابعه في الولاياتالمتحدة وتصنع تضفيراً بين انتفاضة الوطن ومعاناتها من المرض بعناد وصمود. ولما لا وقد أطلق عليها جدها اسم جبل في الجزيرة العربية هو جبل رضوي الذي تتخلله جداول ماء وشعاب وأدوية وتحلق في أرجائه نسور وصقور وحمائم. تضم الرواية حكايات من ثورة 25 يناير 2011 التي تنشب وهي بعيدة عن الوطن لمتابعة العلاج وحين تعود تقترب من نشاط الشباب وتذكر أسماء بعضهم. في درة رواياتها "ثلاثية غرناطة 1995/1994" استحضار قوي للمرأة وأدوارها واستلاب للأوطان. تعود بنا الرواية إلي عام 1491 حيث تسقط غرناطة في أيدي ملك قشتالة ويخير المسلمون بين التنصر أو ترك غرناطة مريمة بطل الجزء الثاني من الرواية تتحدي السلطة وتقاوم الرحيل وتتمسك بلغتها وهويتها قائلة "إن اللسان لا ينكر لغته ولا الوجه ملامحه" وهو موقف مقاوم يذكرنا بما قاله محمود درويش شاعر فلسطين "لغتي هويتي" وتحفز مريمة جماعة أبهي جعفر التي تنتمي إليها علي مقاومة سلب ذاتهم الثقافية. أما سليمة البطلة الثانية في الرواية فتبدو مسكونة بحب المعرفة شغوفة بالقراءة والبحث هكذا تتجلي المرأة كائناً مقاوماً إن بقوة الإرادة والصلابة أو بالمعرفة والعلم. يتجسد هذا الدور في رواية رضوي عاشور "الطنطورية" 2010 ف"رقية" تشهد ليلة الدم التي قتل فيها والدها وأخواها الصادق وحسن وكانت قد شهدت المذبحة التي تعرضت لها قريتها عام 1948 وقبل ذلك سرقت المجندة الإسرائيلية الحلق الذي كان يزين أذنيها ورغم ذلك فإن رقية ليست هي الأنثي المغلوبة علي أمرها وإنما هي المبادرة والحارسة علي الذاكرة والمحتفظة بصورة الراحلين من جماعتها. هكذا تشكل المرأة والأوطان والذات الساردة بني أساسية في أعمال رضوي عاشور الروائية مصاغة بلغة رصينة ذات إيقاع شاعري. إنها الذاكرة والتحدي الذي تتسم به إرادات أبطال إبداعات رضوي الروائية التي ستظل علامات مضيئة في حياتنا الثقافية وستظل رضوي رمزاً وعلامة بارزة في حقل الإبداع الأدبي في مصر والعالم العربي.