لن يفتح النار ولن يتعصب ولن يلعن.. فقد سئم الاعتراض وجرحت أحبال صوته من كثرة الصراخ.. الملحن والموسيقار الكبير حلمي بكر يتأمل الواقع الأليم في حواره مع "المساء" ويضع "روشتة" الخروج من أزمة الأغنية لتعيد مصر لصدارة المشهد الفني. في البداية سألناه عن ضرورة التجديد في الموسيقي شكلاً وموضوعاً في الوقت الذي اعتبر فيه أوكا وأورتيجا وأغاني المهرجانات عبثاً فنياً وهو ما جعل البعض يتهمونه بالهجوم علي صغار المطربين فقال: أنا لا أعترف بتصنيف أوكا وأورتيجا ومن شابههما بالمطربين ولا أستطيع إلا أن أصفهم بمصطلح "مزورو الغناء" لأنهم يعتمدون علي الأجهزة فقط بعيداً عن أضلاع الأغنية المحترمة الثلاثة "الكلمة واللحن والصوت". فهم معدومو اللون والطعم ولا يصح لبلد عريق مثل مصر أن يظهر فيها مصطلح أغاني مهرجانات لأنها مجرد "خزعبلات" لا تمت للفن بصلة. ** شهدت السنوات الأخيرة ظهور الأغاني الوطنية بكثرة.. لماذا لم يتعلق الجمهور بها مثل ما قدمه عبدالحليم حافظ وشادية؟ * الأغنية الوطنية في انهيار تام حالها كحال باقي ألوان الغناء. والدليل علي ذلك أننا أصبحنا نعتمد علي مطربين من الخليج كي يغنوا لمصر مثل حسين الجسمي. ويبقي السبب الرئيسي في ذلك أن المطربين في مصر أصبحوا يغنون كتأدية واجب فلا يصدقهم الجمهور. بينما كان فنانو الزمن الجميل يحملون علي عاتقهم هموم بلدهم فصدقهم الشعب. ** إذن.. أنت تري أن الأغنية الوطنية تؤثر في تحريك المشهد السياسي؟ * بالطبع نعم.. فأحياناً تكون الأغنية الوطنية "فعلا" كأن تلقي الضوء علي مشروع قومي كما غني عبدالحليم حافظ للسد العالي. وأحياناً تكون "رد فعل" مثل الأوبريتات الغنائية التي يعدها المطربون لمشروع قناة السويس الجديد. ** قدمت برامج المسابقات "استار ميكر" وحقق نجاحاً كبيراً ثم "صوت الحياة" ولم يستمر إلا موسماً واحداً فقط ولم يحقق النجاح المطلوب.. لماذا؟ * برامج المسابقات في طريقها هي ايضا للانهيار لأنها أصبحت برامج "مبتورة" بمعني أنها تمنح شهادة للمطرب الأفضل لكنها لا تفكر في كيفية صناعته نجماً بعد ذلك. ** كيف نتدارك هذا الخلل الذي تتحدث عنه؟ * لابد أن نذهب إلي القنوات الشرعية في صناعة النجوم كما يحدث في أوروبا وأمريكا حيث برامج مكتشفة للنجوم عن طريق برامج ¢Top5" و ¢Top10" و¢Top20" وهي برامج تعتمد علي فتح ساحة الغناء للجميع وفي النهاية يتبقي الاختيار الأفضل للجمهور وهم بذلك يعتمدون اعتماداً كلياً علي لعبة المشاهدة وفي النهاية يدخل الفائزون في حيز اهتمام الأجهزة المعنية "الإذاعة والتليفزيون والفضائيات". ** وما رأيك في نجوم لجان التحكيم في هذه البرامج؟ * هؤلاء النجوم فقدوا الكثير من بريقهم وجماهيريتهم فنجدهم دائماً يخافون الاصطدام مع الجمهور وهو ما يجعلهم لا يبدون آراءهم الحقيقية كما حدث مع أحلام عندما قالت رأيها الحقيقي فلم يصفق لها الجمهور. ** أي من الملحنين الشباب تعترف به؟ * أنا لا أعترف إلا بجزء ضئيل جداً من المتواجدين الآن مثل وليد سعد وعمرو مصطفي ومحمد رحيم ومحمود طلعت وفيما عدا ذلك أشبههم بالمقطورة التي تجر بواسطة الموزعين. ** قديماً كان يكتب الشاعر كلمات الأغنية ثم يقوم الملحن بتلحينها أما الآن فيحدث العكس فتبدأ الأغنية "بتيمة" موسيقية ثم يكتب الشاعر كلماته.. فما رأيك؟ * ما أراه الآن علي الساحة الموسيقية "طينة" وليست "تيمة" لأن ما يقدمه الملحنون حالياً أسلوب رخيص يتحايلون به علي الجمهور وسوف يكشف أمرهم قريباً عندما يعمم قانون الملكية الفكرية في اتفاقية الجات لأنهم يعتمدون علي سرقة الجمل الموسيقية من الخارج وهو ما جعل معظم الأغاني شبيهة ببعضها وأكبر دليل علي ذلك أن المستمع لا يجد نفسه مرتبطاً بأي لحن جديد. ** إذا طلب منك أحد الشعراء عمل "تيمة" موسيقية هل توافقه؟ * هذه الطريقة ليست جيدة عليّ فقد قدمت الفنانة نجاة أغنية "فاكرة" وكتب كلماتها عبدالوهاب محمد والمهم في ذلك أن يمتلك ملحن التيمة الموسيقية أدواته "الهد" ثم يستخرج منها تفاصيل الجملة الموسيقية أما التيم الموسيقية الموجودة حالياً فهي تفاصيل فقط. ** تعاملت مع كبار نجوم الطرب فمن المطرب الذي تعترف به؟ * للأسف.. كل ما يظهر علي الساحة الفنية الآن أصبح رديئاً والمطربون الشباب لا يتواجدون إلا داخل الأوبرا التي تحتوي علي عشرات المطربين أصحاب المواهب الشابة الحقيقية. ** ولماذا لا يظهر هؤلاء النجوم؟ * الأوبرا تعمل بمبدأ التصفيق بيد واحدة وإذا ما فكرنا في إبراز نجومها علي الساحة الغنائية. لابد من إنشاء قناة فضائية خاصة بالأوبرا بالشراكة مع صوت القاهرة فتختص صوت القاهرة بإنتاج المسلسلات وتتفرغ إدارة الأوبرا بإنتاج الأغاني المحترمة الجادة لهؤلاء المطربين بحيث تبيع الأوبرا حفلاتهم في البداية ثم تنتج لهم ألبومات. ** إذن.. فمن أين يأتي المطربون المتواجدون علي الساحة؟ * لا نستطيع أن ننكر أن المادة أصبحت تلعب دوراً رئيسياً في سوق الغناء فنجد تاجر المخدرات الذي يخرج من السجن يقوم بشراء كلمات وألحان ثم يصبح مطرباً مشهوراً. ** في عام 2002 انتشرت الفضائيات والقنوات الغنائية بالإضافة إلي الإنترنت في مصر والعالم العربي.. هل أدي ذلك إلي النهوض بالأغنية أم العكس؟ * للأسف.. الإنترنت ساعد في ترويج الباطل لأنه قام بالسطو علي المنتج الغنائي فاختفي المنتجون في أول ضربة قاضية لسوق الغناء. وأصبحت التكنولوجيا بوابة لجهنم. ** البعض يؤكد أن هناك أيادي خفية تسعي لانتكاس الأغنية وتدهور الذوق العام؟ * بالفعل.. هناك مؤامرة كبيرة تحاك ضد مصر والعالم العربي ووصول الكمبيوتر عاد علينا بالضرر لأننا نستهلك ولا نبدع فالغرب يرسل إلينا برامج وألحاناً ونحن نقوم بتقليدها فنبتعد عن هويتنا وقوميتنا وتخلينا عن أسلوب الأغنية الشرقي الأصيل "إذا أردت أن تعرف شعباً استمع إلي أغانيه". ** اختفاء الألبومات الغنائية وظهور الأغنية "السنجل" أصبحت ظاهرة في السنوات الأخيرة.. كيف تراها؟ * كل هذه الجمل تحايلية ولا اعترف بها مطلقاً فالأغنية منذ قديم الزمن كانت سنجل بدليل أن عبدالحليم وشادية وفريد وصباح ونجاة كانوا يقدمون في حفلاتهم أغنية واحدة وليس ألبوماً كاملاً. ** لو كان حلمي بكر أغنية ماذا يكون اسمها؟ * "الصراحة وقاحة" لأننا في زمن وقح. ** رسالة توجهها للرئيس عبدالفتاح السيسي؟ * أقول للرئيس كلنا نعلم أنك تسير في الطريق الصحيح ولكنني أطالبك بألا تحيد عن هذا الطريق رغبة في تحقيق مطالب البعض.. استمر في طريقك وسوف يؤيدك الجميع. وعليك أن تعلم تمام العلم ما يريده المصريون منك ولكنني أعتب عليك لاتخاذك قرار إعداد قانون يجرم الإساءة لثورتين. وأقول أنا لا أعترف بثورة 25 يناير لأن معظم من قام بها مأجورون وأصحاب أجندات فهو مخطط كبير يدبره هؤلاء مع أمريكا منذ 2005 أما 30 يونية فهي أول ثورة حقيقية لأن الشعب المصري خرج فيها عن بكرة أبيه ضد الإخوان.. أقول للرئيس طهر البلد ولا تنظر إلي الجنائية الأمريكية أو الدولية أو حقوق الإنسان.. أنت رجل رمز وقد بعثك الله هدية لمصر فلا تجامل أحداً.