حالة الانهيار التي تعيشها السينما المصرية حالياً، لابد أن نربطها بحالة التراجع الذي تعيشه الأغنية المصرية خلال السنوات الأخيرة، علي اعتبار أن السينما منذ عهود طويلة تلجأ لنجوم الغناء لإنعاش حركة البيع والشراء «شباك التذاكر» ولأننا في عصر كل شيء فيه أصبح مباحاً، والبلطجة هي لغة الحوار السائدة في الشارع، وانتقلت للفن بالتبعية، وبالتالي وصلنا إلي محطة نكسة «أوكا وأورتيجا وشحتة» وغيرهم ممن أصبحوا الآن هم نجوم الأغنية المصرية، ووصولهم هو الامتداد الطبيعي لوصول أعمالهم إلي «التوك توك»، ففي بداية الثمانينات وحتي بداية القرن الحالي كان الميكروباص هو وسيلة وصول أسماء كثيرة إلي العامة مثل شعبان عبدالرحيم، وعبدالباسط حمودة ورمضان البرنس، ومن خلال وسائل المواصلات وصلوا إلي السينما، لكن كان دورهم لا يتعدي حدود أغنية في فيلم أو مشهد للسخرية، حتي عندما قام شعبان ببطولة فيلم «مواطن ومخبر وحرامى» تم توظيفه بالشكل الذي يلائم شعبولا، والذي لا تنكر له أنه في كثير من الأحيان قام بتأريخ بعض الفترات التي عاشتها مصر بداية من أغنية «بحب عمرو موسي» حتي ثورة 30 يونية، لكن دخول أوكا وأورتيجا وشحتة، كان استثماراً لحالة مسفة من الأغاني التي يقدمونها، والتي لا تقل خطورتها عن المخدرات، فهي نقلت الحوار المتدني والمفردات القبيحة من شباب «الهلوسة» و«الترامادول» مما خلق لهم شعبية اعتبرها بعض المنتجين أرضاً خصبة لمزيد من تحقيق الإيرادات، بعض هؤلاء المنتجين يري أن وجود هذه الأسماء في السينما أمر طبيعي لأنهم يمثلون فئة أو شريحة من نجوم الفن الحالي، وهم نتاج للمجتمع، والمخالفون لهذا الرأي وهم عامة الشعب يرون أن هناك أسماء فنية كثيرة كانت علي نفس المستوي لكن السينما لم تقدمهم، كما أن المجتمع به نماذج أخري تستحق الاهتمام والتقديم، لكنها من وجهة نظرهم لا تحقق لهم العائد المنتظر، وبالتالي فليذهب الفن المصري إلي الجحيم من أجل شباك التذاكر. خلال السنوات العشر الأخيرة لم تحصل السينما علي خدمات مطرب نجم بالمعني الحقيقي يجمع بين المستوي الرفيع فنياً، وبين الشكل اللائق الذي يجب أن يظهر علي شاشة السينما، والآن وقعنا في نكسة أوكا وأورتيجا، وقريباً ربما نجد مارادونا وميسي من نجوم الغناء الشعبي، وهي كاركتر يظهر في الحارة مقتدياً بشكل نجوم الكرة العالميين، والكثير يعلم أن اسم «أورتيجا» هو لأحد نجوم الكرة الأرجنتينية خلال التسعينيات، السينما الآن تأخذ من الغناء أسوأ ما فيه، فهذه النماذج الموجودة علي الشاشة الآن في فيلم «8٪» قدموا نموذجاً للأغنية أطلق عليها أغنية «المهرجانات» وهي نوع لا تعلم أي نوع موسيقي ينتمي، فالأغنية الشعبية عبر تاريخها لم تقدم هذا النموذج، حتي الذين تعرضوا للنقد الشديد مثل مجدي طلعت ورمضان البرنس، وحسن الأسمر، وعبدالباسط حمودة، وشعبولا، وحمدي بتشان، كانوا يقدمون غناء واضح المعالم كلمات ولحناً يغلب عليه الشجن، وأحياناً تجد الموال الشعبي الأصيل في أحد ألبوماتهم، بمعني أدق كان هناك مطرب وشاعر وملحن، الآن في أغنية المهرجانات لا مطرب، ولا مؤلف، ولا ملحن، موسيقي صاخبة، كلمات غير مفهومة، صوت يغلب عليه طابع «الهلوسة» وصراخ. والسؤال الذي يفرض نفسه الآن، بمناسبة وجود رئيس جديد للرقابة، هل الألبومات التي تطرح في الأسواق أو الأغاني المصورة التي تعرض لهم لا تمر علي الرقابة؟.. الرقيب الجديد قال: إنه لا سلطان له علي الفضائيات بمناسبة عرض إعلانات للأفلام تتضمن مشاهد محذوفة، وهذا هو القانون، لكن القانون منحه سلطة مراجعة الكلمات قبل خروجها كمصنف فني قبل تداولها في الأسواق. الأغنية المصرية الآن في محنة كبيرة لأن الذي يصدر للعالم العربي هي تلك النوعية من «الهلوسة» التي تسمي «المهرجانات»، أزمة السينما أنها تعيش أحياناً علي فتات الأغنية، وكلما انحدر الغناء بالتبعية تنحدر السينما، وأفضل سنوات السينما الغنائية عشناها في عصر محمد عبدالوهاب، وعبدالحليم حافظ، وفريد الأطرش، ومحمد فوزي، وشادية، وليلي مراد، وصباح، ومحرم فؤاد، ووديع الصافي، وأسمهان، ووردة، ونجاة.. حتي الذين انتقدوا منهم في أدائهم التمثيلي، نجحوا في إقناع الناس بالغناء وروعته، وبالتالي لم يلاحظ الكثير من المشاهدين نقطة الضعف في التمثيل.