بمجرد أن تدخل من أحد أبوابه تنفصل عن العالم الخارجي.. فأنت في المركز القومي للبحوث احد أهم قلاع البحث العلمي ليس في مصر فقط بل في الشرق الأوسط والعالم.. المباني العريقة تنتشر علي مساحة 14 فدانا.. تحوي معامل متنوعة في كل المجالات بها أحدث الأجهزة.. والأهم كتيبة من الأساتذة والباحثين والفنيين المعاونين والإداريين تقترب من الستة آلاف شخص.. وضعوا لهم هدفا اساسيا هو اجراء البحوث والدراسات لتطوير نواحي التنمية المختلفة وحل مشاكل المجتمع.. أما هدفنا نحن فكان الاقتراب من أحوال البحث العلمي ومشاكله والطموحات والآمال المعلقة عليه من خلال هذا المحراب.. فبدون تعليم جاد وبحث علمي يواكب احتياجات الوطن والمواطن يصبح الحديث عن التقدم حرثا في المياه. ووضعنا اسئلتنا أمام الدكتور محمد محمود هاشم نائب رئيس المركز للشئون البحثية.. جاءت الإجابات لتضع خطوطا محددة تحت المشاكل والمعاناة وأيضا تحت النقاط المضيئة ومواضع التميز. * في البداية سألناه: من هو الدكتور محمد محمود هاشم؟! * * تخرجت في كلية العلوم عام 1989 وتم تعييني بالمركز ضمن دفعة أوائل الخريجين.. حصلت علي الماجستير من جامعة القاهرة والدكتوراة من المانيا في مجال كيمياء وتكنولوجيا النسيج.. تدرجت في المناصب حتي وصلت إلي رئيس لشعبة الصناعات النسجية ثم نائبا لرئيس المركز للشئون البحثية. 2800 باحث علمي * قدم لنا المركز بالأرقام؟ * * المركز هو أحد قلاع البحث العلمي في الشرق الأوسط والعالم... مقام علي مساحة 14 فدانا بالاضافة لمزرعة كبيرة في النوبارية ووحدة تجارب في المركز.. يضم 14 شعبة كل شعبة بها عدة أقسام.. فالمركز كأنه جامعة والشعبة كلية.. عدد الاقسام 110 اقسام والمركز به 2800 باحث حاصل علي الدكتوراة ما بين باحث وأستاذ مساعد واستاذ وأستاذ متفرغ بالاضافة إلي 1400 عضو معاون ما بين معيد ومدرس مساعد و1500 من الفنيين والإداريين.. المركز في الاساس هيئة حكومية لا تهدف للربح وتقدم خدماتها مجانا للوحدات الانتاجية داخل الدولة بهدف التنمية.. لكن في مجال الاستشارات تم انشاء وحدات ذات طابع خاص في المجالات العلمية تخضع لقانون الوحدات ذات الطابع الخاص للدولة وتقدم استشارات خارجية بأجر لمن يطلب. والمركز يضم 5 مراكز تميز علمي في العلوم المتقدمة والطب والجينوم والفيروسات والنسيج وبه معمل مركزي علي أعلي مستوي تقني. الهدف الاساسي هو اجراء البحوث والدراسات لتطوير نواحي التنمية المختلفة وزيادة الدخل القومي ومجالات المركز عديدة في الهندسة والنسيج والكيماويات والطب وطب الفم والأسنان والوراثة والجينوم والمجال البيطري وغيرها. الميزانية ضئيلة * ماذا عن الميزانية وهل هي كافية لتحقيق هذه الاهداف؟ * * للأسف الميزانية ضئيلة وهي أهم مشاكل البحث العلمي ليس في المركز فقط بل في مصر عامة وهي مقسمة علي ثلاثة بنود.. المرتبات التي تلتهم النسبة الأكبر.. الانشاءات والمباني.. والمشروعات البحثية. * كم تبلغ تكلفة المشروعات البحثية؟ * * عام 2013 2014 تم اعتماد 12 مليون جنيه للمشروعات البحثية الداخلية بالمركز والعام الحالي الذي ينتهي في يوليو 2015 انخفضت لتصبح 11 مليونا فقط!! * تنخفض في الوقت الذي ينص فيه الدستور علي أن تكون موازنة البحث العلمي 1% من الناتج القومي تزيد تدريجيا حتي تواكب المستويات العالمية؟!! * لا ننسي الظروف العامة للبلاد والضغوط الاقتصادية التي تواجهها.. وبصفة عامة التمويل ضئيل جدا ويكفي أن تعلما أنه في عام 2014 2015 تشمل الخطة 316 مشروعا بحثيا بالميزانية البالغة 11 مليون جنيه أي أن المشروع الواحد تكلفته حوالي 25 ألف جنيه وهو مبلغ شديد الضآلة إذا تمت مقارنته بنفس المشروع في المانيا حيث درست والتي لا يقل فيها تكلفة البحث عن نصف مليون جنيه.. لكننا متفائلون بالمستقبل. * علي أي اساس يكون التفاؤل بينما الموازنة تتناقص؟!! * * أبني تفاؤلي علي عدة عناصر أولها أنه لابد أن يتم قريبا تفعيل الدستور ليحصل البحث العلمي علي 1% من الناتج القومي بدلا من 3 من عشرة في المائة حالياً.. ثانيا.. هناك مصادر أخري للتمويل نلجأ اليها لتعويض نقص الميزانية نسبيا منها ما تقدمه كل من أكاديمية البحث العلمي وصندوق العلوم والتكنولوجيا بوزارة البحث العلمي.. هناك ايضا انواع من الأبحاث يساهم في تمويلها الاتحاد الأوروبي والصين. * ينص الدستور علي التدرج في ميزانية الأبحاث لتوازي النسب العالمية.. فما هي النسب العالمية؟ أسعار الكيماويات * * في الدول المتقدمة ميزانية الأبحاث لا تقل عن 5% من الناتج القومي. * ما هو التأثير السلبي لضعف الميزانية علي الأداء العلمي؟! * * الباحث يكون في أزمة شديدة نتيجة ذلك فأسعار الكيماويات اللازمة للأبحاث ارتفعت جدا وتمثل صعوبة قد تجعل الباحث لا يكمل بحثه كذلك الأجهزة مشكلة.. فلدينا أجهزة معطلة وان كانت ليست كثيرة واصلاحها يحتاج مبالغ كبيرة وطالبنا كثيرا بانشاء شركة لصيانة الأجهزة العلمية تابعة لوزارة البحث العلمي فهي الحل الأمثل بدلا من الوضع الحالي حيث نلجأ للتعاقد مع شركات خاصة للصيانة. * منذ سنوات حضرت للمركز في مهمة عمل ولاحظت ان غرف ومكاتب الباحثين لا تليق بمكانتهم.. ماذا عن الوضع الآن؟ * * مازلنا نعاني من ذلك ومرجعها أيضا أن ميزانية البناء والانشاءات والمعامل تحتاج للزيادة. * بخلاف ضعف الميزانية ما هي المشاكل الأخري؟ * * العمل في جزر منعزلة مشكلة تلقي بظلالها علي البحث العلمي وأعني بها غياب التعامل والتعاون بين الجهات البحثية بعضها البعض وغياب التعاون تقريبا بين الجهات البحثية وجهات الانتاج والصناعة سواء الحكومي منها أو الخاص الذي يتولاه كبار رجال الأعمال وإذا أردنا الدقة لقلنا ضعف التعامل والتعاون وليس الغياب. الجهد الضائع * نريد مزيداً من الشرح؟ * * التعاون والتكامل بين المراكز البحثية يثري العمل العلمي ويزيد الخبرات.. والتعاون مع جهات الانتاج والصناعة يعني أن نأخذ أبحاثنا طريقها للتطبيق من خلال هذه الجهات فلا تظل جهدا ضائعا مع الأرفف أو في الأدراج. * ولماذا يحجم رجال الأعمال والصناعة وكذلك الجهات الحكومية عن الاستفادة من الأبحاث؟ * * للأسف رجال الأعمال يفضلون اللجوء للخبراء الأجانب لحل مشاكلهم العلمية التطبيقية ولا يلجأون للخبرات المحلية إلا قليلا وحجتهم في ذلك أنهم يشترون خطوط انتاج اجنبية فيلجأون لنفس الدولة للصيانة وحل المشكلات التي تواجههم حتي الصناعة الوطنية التابعة للدولة تستعين بالخبرات الأجنبية!! لغة رجال الأعمال * معني ذلك أن البحث العلمي في واد ورجال الصناعة العامة والخاصة في واد آخر؟ * * للأسف.. نعم. * لماذا؟ * * رجال الأعمال يتكلمون بلغة ورجال البحث العلمي يتحدثون بلغة مختلفة.. فمعني ان الباحث يركز علي العلم وهذا يستغرق وقتا ورجال الأعمال يريدون المكسب السريع ودورة رأس المال لديهم سريعة.. والحل في ضرورة ايجاد نقطة التقاء بين اللغتين.. وهذا يحدث بالتركيز علي الأبحاث التطبيقية التي تزيد القيمة المضافة وهي موجودة لكنها قليلة.. كما أن رجال الأعمال "يستسهلون" الاستيراد.. أما الصناعات التابعة للدولة فهناك تجربة ناجحة مطلوب تكرارها فمنذ سنوات اعدت الهيئة العامة للاستثمار قائمة بمواد من مستلزمات الصناعة يتم استيرادها وطلبت مساعدة مراكز الأبحاث لانتاجها في شكل صناعات صغيرة.. ونحن في انتظار اعادة التجربة من هيئة الاستثمار أيضا حتي يقرر تكون البداية بمادة أو مادتين.. وهذا يقلل الاستيراد ويخلق فرص عمل.. كذلك ننتظر من وزارة الصناعة قائمة بالمصانع التي تحتاج إلي تطوير أو تعاني مشاكل فنية ونحن جاهزون للتطوير وحل المشاكل. تخفيض ملوثات الهواء * حدثنا بشيء من التفصيل عما يستطيع المركز تقديمه للصناعة؟ * * المركز لديه الخبرات في تصميم الآلاف والتصنيع وتقييم الأثر البيئي من ملوثات الهواء والضوضاء وقياسها وتقديم مقترحات لتخفيضها كذلك تقديم الدعم الفني علي أوسع نطاق مثل رفع مستوي الأداء وتوفير الطاقة واصلاح الماكينات وخطوط الانتاج.. ايضا تصميم وتطوير معدات معالجة الصرف الصحي والصناعي. * نريد أمثلة علي ابحاث اخذت طريقها للتطبيق بالفعل. * * ما السخانات الشمسية التي انتشرت في مصر الآن لتسخين المياه للأغراض المنزلية والصناعية.. والمجففات الشمسية وتستخدم الآن لتجفيف الحاصلات الزراعية مثل الفاكهة والخضراوات والنباتات الزهرية والطبية.. كذلك تجفيف اللحوم والأسماك والأخشاب ولها سعات تتراوح بين 50و250 كيلو جرام.. هناك أيضا الطباخات الشمسية.. وللمركز دور مهم في التصميم والاشراف علي تصنيع المحارق الخاصة بالنفايات الخطرة في المستشفيات والتخلص الآمن منها.. وللمركز فضل السبق في انتاج غاز البيوجاز من المخلفات الحيوانية والزراعية.. ايضا ساهم المركز في زيادة أعمار المحولات بمصانع الحديد والصلب من خلال انتاج مادتي اكسيد الالومنيوم والماغنسيوم غير المتوفرتين في مصر واستخدامها في ترميم حوائط وقواعد أفران الصلب.. كما ساعد المركز في التغلب علي مشاكل فنية في شركات البترول وفي شركة "أبوزعبل".. ولعب المركز دورا مهما في الاستفادة من غبار الأسمنت بدلا من تركه في الهواء ليضر بالبيئة.. حيث يستخدم 70% منه في تصنيع الزجاج.. وتمكن المركز من تصميم أحواض مبطنة بالأسمنت أو بطيقة بلاستيكية خاصة وتم استخدامها كمزارع سمكية في الصحراء يتم استخدام مياه الآبار فيها لتربية القراميط والبلطي والبوري. ومن أهم الأبحاث التي اخذت طريقها للتطبيق المصل الخاص لانفلونزا الطيور واخذ طريقة للانتاج بالتعاون مع احدي الشركات وكفاءته افضل كثيرا من المستورد.. كذلك بدأ التوسع فعلا في استخدام ابحاث المركز الخاصة بتحويل قش الأرز إلي ورق ومنتجات أخري. أبحاث تنتظر التطبيق * وماذا عن الأبحاث الجاهزة ولم تأخذ طريقها للتطبيق بعد؟ * * كثيرة أيضا.. أهمها الأقمشة القطنية المقاومة للميكروبات والتي يمكن استخدامها في ملابس طاقم العمليات الجراحية بالمستشفيات.. أيضا أقمشة طاردة للحشرات وأقمشة مقاومة للاشعة فوق البنفسجية لتصنيع ستائر تحمي من أشعة الشمس.. هناك أيضا أقمشة لها رائحة عطرة وضد الاتساخ. وأخري مقاومة للاحتراق والبلل.. واقمشة قطنية ضد التجعد والكرمشة.. وهي ابحاث تنتظر مصانع النسيج للاستفادة منها. * ماذا تنتظرون من المجلس الاستشاري العلمي التابع لرئيس الجمهورية ومن المجلس التخصصي للتعليم والبحث العلمي؟ * * ننتظر الكثير في حل مشاكل البحث العلمي التي تحدثنا عنها خاصة أن رئيس المركز الدكتور أشرف شعلان عضو في المجلس الاستشاري.. لكن هذين المجلسين تشكلا حديثا ويحتاجان بعض الوقت لدراسة أحوال البحث العلمي.