بروتوكولات .. اتفاقيات.. مذكرات تفاهم.. هذا هو حال العلاقة بين الوزارات والهيئات الحكومية.. فلا يمر أسبوع دون أن نشاهد أو نقرأ عن توقيع "بروتوكول" بين وزارتين.. والسؤال الذي يطرح نفسه.. هل كل هذه الاتفاقيات يتم تنفيذها علي أرض الواقع.. أم أنها مجرد حبر علي ورق وللشو الاعلامي فقط بغرض تلميع "المسئول"؟!! وعندما طرحنا هذا السؤال علي الخبراء أكدوا ان معظم الاتفاقيات والبروتوكولات بين الوزارات لاتنفذ وهي فقط للاستهلاك الإعلامي.. وانها حتي لو تم تنفيذها فيكون بشكل محدود جدا ولايشعر بها المواطن.. منوهين الي أن دائما ما يكون أحد طرفي الاتفاقية هو نفسه المعوق في تنفيذها.. ولو تم تغيير الوزير يتوقف العمل تماما بالاتفاقية. أكد الخبراء ان الحكومة ووزراءها يعملون بسياسة الجزر المنعزلة لانه من المفترض عدم حاجتهم لتلك البروتوكولات لأنهم فريق واحد.. في حين يري البعض ان هذه الاتفاقيات تأتي هروبا من حزمة التشريعات المقيدة للتنفيذ والبيروقراطية الشديدة التي تعاني منها وغياب المنظومة الموحدة لعمل الوزارات. طالب الخبراء بضرورة التخطيط الجيد وعمل جدول زمني للتنفيذ قبل توقيع اي بروتوكول مع محاسبة المقصرين في التنفيذ حتي لو كان الوزير نفسه وذلك من خلال لجنة يشكلها رئيس الوزراء لمراقبة تنفيذ هذه الاتفاقيات والبروتوكولات. كانت اخر هذه الاتفاقيات بين وزارات الحكومة المصرية توقيع اتفاقية تفاهم بين وزارتي الاوقاف والثقافة لمواجهة الافكار المتطرفة. يقول د. صلاح جودة الخبير الاقتصادي ان مصر دولة الجزر المنعزلة ولا تعرف العمل الجماعي رغم وجود مهارات فردية لكن ليس لها رؤية مستقبلية. ** يضيف د. جودة أن كل مشاكل مصر تتلخص في أن جميع الاتفاقيات والبروتوكولات الحكومية بين كافة الوزارات والهيئات الحكومية والوحدات المحلية والقطاع العام والخاص لايوجد اشراف علي تنفيذها ولاترتبط بجدول ومواعيد محددة مطالبا بوضع معايير محددة أهمها تاريخ التنفيذ والانتهاء منها وعلي الدولة ممثلة في رئيس الوزراء تشكيل لجنة متابعة لكل هذه البروتوكولات علي ان تكون هذه اللجنة من المتخصصين ولايشترط ان يكون أعضاؤها من العاملين بالحكومة لتقيم الاتفاقية والاشراف علي تنفيذها حتي لاتكون مجرد حبر علي ورق أو للشو الإعلامي فقط..!! * التعاون بين وزارات الدولة لايحتاج لاتفاقيات بقدر ما يحتاج لرؤية موحدة وإرادة سياسية لتنفيذ أهداف الدولة ومتطلبات المرحلة الرهنة هكذا يري د. عمرو صالح الخبير الاقتصادي ومدير مشروعات البنك الدولي بشمال افريقيا ومستشار وزير العدل ووزير البيئة سابقا. ** يضيف ان ما نراه من قيام الوزارات والهيئات الحكومية لتوقيع البروتوكولات ومذكرات التفاهم فيما بينهم لن يجدي ولن يؤدي الي شيء ما لم تتوافر لدي المنفذين من موظفي الدرجات الوسطي من السلم الوظيفي قناعة بأهمية العمل المشترك.. منوها الي أن الاشكالية قد لاتكون في توقيع الاتفاقيات ولكن في إيجاد الرؤية المشتركة بين الوزراء والمعوقات التي تنشأ بين الموظفين التنفيذيين مما يجعلها في معظم الاحيان غير هادفة ويصعب تنفيذها!! اشار د. عمرو الي انه لافائدة من هذه الأوراق ما لم يتم الاعتماد علي 3 معايير تطبقها كل الدول المتقدمة التي تعمل بنجاح وجدية وهذه النقاط هي أولا: عنصر الوقت في تنفيذ المطلوب. ثانيا: الاعتماد علي معايير تنمية وبأرقام حقيقية تترجم ما هو مطلوب تنفيذه في إطار هذه الاتفاقية. ثالثا : المراجعة والمساءلة والمحاسبة للأشخاص المنوط بهم التنفيذ وأن يكون مبدأ الثواب والعقاب مظلة عمل. اضاف ان هذه الشروط الثلاثة من لايستطيع انجازها عليه بالرحيل الفوري وأولهم الوزير..!! مشيرا الي الآفة التي تعاني منها الدول النامية هي كثرة البروتوكولات والخطط والمبادرات والتي لاتنفذ فعليا علي أرض الواقع . ** أكد د. سعد زغلول مساعد وزير الصحة واستشاري الجراحة العامة انه ضد أي عمل لاينفذ ولايخرج بالشكل المتفق عليه ليكون بالنفع علي الوطن والمواطن والا يكون مجرد بروتوكول تم توقيعه فقط. يضيف انه في حالة توقيع اتفاقية بين وزارة الصحة وأخري فان الهدف يكون التعجيل بشيء لاينتظر الوقت وله فائدة علي الاقتصاد المصري أو صحة الانسان أو علي التنمية بشكل عام. يشير د. زغلول الي أن هناك مجموعة من الخطوات يجب اتباعها حتي ينجح ما تم الاتفاق عليه بمذكرة التفاهم بين أي من الهيئات أهمها الدراسة الشاملة للمشروع وقابليته للتنفيذ أيضا وتوفير الدعم المادي والخبرات اللازمة وتحديدها لتكون مسئولة عن التنفيذ بعد توفير كل ما تطلبه الدراسة عند ذلك فقط يتم التوقيع ليكون فرصة تنفيذه كبيرة وحتي لايتحول لمجرد حلم وخبر في وسيلة إعلامية. .. يقول هشام عيسي رئيس الادارة المركزية للتغيرات المناخية بوزارة البيئة ان هناك نوعية من الاتفاقيات وهما بروتوكول اطاري وآخر تنفيذي ويؤخذ بنا المثل بالبروتوكول الاخير لوزارة البيئة مع وزارتي السياحة والكهرباء فهذا برتوكول اطاري يهدف للتعاون المشترك بين الثلاث وزارات من اجل تخفيف الاحتباس الحراري من أجل خلق سياحة خضراء خالية من انبعاث ثاني أكسيد الكربون في المنتجعات السياحية علي ان يتم تقديم الخبرات والمساعدات بين الوزارات الثلاث كل فيما يخصه سواء بالدعم المادي أو الخبراء أو الدعم اللوجستي حتي نصل لنسبة كبيرة من المنشآت السياحية التي تعمل بالطاقة المتجددة. يضيف هشام عيسي ان الوزارات تلجأ لعمل البروتوكولات فيما بينها للهروب من غابة التشريعات القانونية المقيدة للتنفيذ والبروتين المستشري بالهيئات. وعن أسباب عدم تنفيذ بعض الاتفاقيات وعدم نجاحها يري هشام عيسي ان بعض الوزارات أو المسئولين لايعون جيدا الهدف من البروتوكولات مما يعيق التنفيذ وهذا ليس بقصد ولكن لعدم الفهم.. منوها إلي ان مشكلة كافة الوزارات والهيئات في مصر أن التخطيط دائما يأتي من أعلي لاسفل أي من الوزارات الرئيسية والنتيجة عند التنفيذ يصطدم بالموظفين وسوء تقديرهم..!! يضيف انه لابد من مشاركة القاعدة الوظيفية بالوزارات للقمة المتمثلة في الوزير وعرض الاطار العام للفكرة عليهم لانهم هم المنوط بهم التنفيذ.. فكيف يكون دوره وهو لايعلم خطة التنفيذ؟! .. يري د. خالد سعد مستشار وزير التربية والتعليم سابقا ووكيل وزارة بالتليفزيون المصري ان فائدة هذه التفاهمات بين الجهات المختلفة هو محاولة لتنفيذ مقترحات مشتركة بينهم يعوقها الروتين بشرط ان تكون الجهتان علي مستوي واحد من الجدية لديها رغبة في التنفيذ ولكن الذي يحدث ان أحدهما تكون معوقة للأخري لاسباب روتينية او لعدم وجود اعتمادات مالية وهذا ينتج عن عدم دراسة الفكرة او المقترح بشكل جيد هذا ما يحولها لمجرد حبر علي ورق وصور تذكارية لحظة التوقيع بعدها ينتهي كل شيء. يقول د. إبراهيم عبدالجليل رئيس جهاز شئون البيئة سابقا ان معظم ما يتم من اتفاقيات تعاون بين الوزارات المختلفة هو للاستهلاك الإعلامي فقط وتنتهي بتغيير الوزير او بعد فترة قصيرة من توقيعهما لانها لم تدرس بشكل جيد وحتي وان تم تنفيذها فإنها تكون في أماكن محدودة أو بعض المحافظات دون اخري ولا يشعر بها المواطنون. يري د. ابراهيم انه كثيرا ما وقعت وزارة البيئة العديد من الاتفاقيات والبروتوكولات ولكن للأسف لاتنفذ. ** يشير د. إبراهيم الي ان التداخل في الاختصاصات بين الوزارات والهيئات المختلفة يوقف مسيرة العمل وعلي سبيل المثال "نهر النيل" تحت اشراف وزارات مختلفة ولايوجد توظيف جيد لهذه المتابعة وبسبب ذلك يحدث تضارب في القرارات وكل جهة تحاول التملص من مسئوليتها عند وقوع التلوث علي سبيل المثال حتي بات نهر النيل يعاني من مشاكل كثيرة علي مدي سنوات طويلة ولم تفلح هذه البروتوكولات في إنقاذ النهر العظيم مما لحق به من تعديات وتلوث.