لا أظن أن المشهد السياسي الحالي ينبئ عن استعداد جاد من جانب الأحزاب لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة.. رغم أنه صار من المؤكد أن الانتخابات ستجري خلال الشهور القلائل القادمة قبل انعقاد المؤتمر الاقتصادي لأصدقاء مصر.. ولم يعد هناك أمل في التأجيل. ربما كان الأمر مختلفاً بالنسبة للأشخاص الذين سيترشحون للمقاعد الفردية.. فهؤلاء جاهزون دائماً.. وعصبياتهم القبائلية جاهزة دائماً.. ثم إن هؤلاء المرشحين وناخبيهم لا يعملون في بيئة سياسية ولا يحتاجون أصلاً لهذه البيئة.. هم في الواقع يعملون في مدارك أخري لا علاقة لها بالسياسة.. ولا تصلح السياسة أن تكون حكماً لهم أو عليهم. لذلك.. نقول إن الأحزاب السياسية هي التي مازالت لم تأخذ مسألة الانتخابات علي محمل الجد.. فلم تعلن أية برامج انتخابية.. ولم تظهر أية دعاية.. كل ما نراه ونسمعه تصريحات من الرفاق رؤساء الأحزاب ورؤساء الجبهات لا تنم عن ممارسة سياسية ناضجة وإنما تنم عن عبث وحيرة وارتباك.. وهو ما لا يمكن أن يكون مؤشراً علي بيئة سياسية صحيحة. المظهر الوحيد للفعل السياسي الآن يكاد ينحصر في الإعلان عن انضمام هذا الحزب أو ذاك إلي جبهة ما.. ثم الإعلان في اليوم التالي عن انسحاب هذا الحزب أو ذاك من تلك الجبهة.. ولقاء بعض رؤساء الأحزاب للتفاهم أمام الكاميرات والميكروفونات ثم الانقلاب في اليوم التالي علي التفاهم الذي كان. وحتي هذا المظهر الوحيد للفعل السياسي يثير العديد من علامات التعجب لدي كل من لديه فكرة ولو بسيطة عن طبيعة التحالفات السياسية وتكوين الجبهات الانتخابية.. فالتحالف عادة يكون بين الأحزاب المتشابهة أو التي تجتمع علي أرضية واحدة سياسياً وفكرياً.. أما عندنا فالرفاق حائرون وتائهون.. اليساري يدخل في جبهة مع اليميني ضد يساري ويميني آخر.. والليبرالي يتحالف مع الشيوعي ضد الناصري والناصري يدخل في تحالف مع اليميني ضد ناصري آخر. وهكذا تتكون التحالفات وتنفك طبقاً لتوجهات الأشخاص وميولهم ومصالحهم وليس طبقاً لمناهج وتوجهات سياسية كما يحدث في دول العالم من حولنا. وهناك من قادة الأحزاب من ترك مسألة الانتخابات وراء ظهره وعاد يطالب بتأجيلها لأن الأحزاب غير مستعدة.. كأنما كانت في مأموريات أخري طوال الفترة الماضية.. وهناك من لا يزال يتحدث عن ضرورة العزل السياسي. أما الدكتور محمد أبو الغار فقد كان أشجعهم جميعاً حيث نشر مقالاً في "المصري اليوم" عدد الثلاثاء الماضي تحت عنوان "الأحزاب السياسية مالهاش لازمة" قال فيه: "الشعب لا يثق في الأحزاب.. والقوي الموجودة في مصر سواء كانت القوات المسلحة أو الشرطة أو جهاز الدولة البيروقراطي لم يتعود علي وجود برلمان حقيقي مبني علي أحزاب قوية يحاسبه ويقود النظام السياسي.. هذه القوي لا تريد برلماناً حقيقياً.. والأحزاب في معظمها فقيرة وقدرتها علي جمع الأموال محدودة.. أجهزة الدولة تحارب الأحزاب والإعلام يتهجم عليها طوال الوقت.. خلاصة الأمر أن الجميع لا يريد حياة حزبية ولا يريد أن يساعدها علي النمو.. وحيث إن الحياة الحزبية هي الطريقة الوحيدة في الدنيا لتداول السلطة فسوف تستمر مصر كما هي.. وسوف يكون من المستحيل خلق نظام ديمقراطي. ويبقي في النهاية سؤال مهم: كيف نساعد الأحزاب علي النمو؟! ألا يستوجب الأمر أن يكون في الأساس هناك أحزاب وليس مجرد تجمعات هلامية بلا لون ولا طعم ولا رائحة.. إن رجال الأحزاب أنفسهم لا يصدقون ما هم فيه.. وعلينا إذن أن نبدأ من الصفر.