"حنين" كلمة تأسرني دائماً مبني ومعني.. لدرجة أني تمنيت أن أنجب طفلة بهذا الاسم. ربما لأن هناك مناطق كثيرة في حياتي تدفعني وتشعرني بالحنين. والدتي التي توفيت وأنا في الإعدادية ووالدي الذي توفي بعدها بسبعة شهور. مدرستي الابتدائية وأصحاب الطفولة والصبا وغيرها من المعاني الجميلة التي أفتقدتها كلها الآن. هذه الكلمة استشعرتها بشدة وأنا أقرأ "أيامي القاهرية" كتاب الروائي الكبير والجميل وأستاذي وأبي الروحي محمد جبريل الذي رزقني الله به بعد وفاة والدي. بل إني توقفت طويلاً أمام معناها وأنا أقرأ المقدمة التي كتبتها د. زينب العسال زوجة أستاذنا الكبير. كتبتها بحنين دافئ وكبير. فيها تتصاعد قيمة الحنين لذكريات رحلة طويلة وعشرة طيبة جمعت بينهما لأكثر من ثلاثين عاماً في شقة شارع سليمان عزمي بمصر الجديدة مندهشة من أن أستاذنا الكبير لم يكتب عن هذه الشقة حرفاً في قصة أو في رواية رغم ما كان فيها من عبير تنفساه معاً. بينما كانت المكان الذي دارت فيه أحداث رواية "توتة مائلة علي نهر" للقاص محمد إبراهيم طه. تصف زينب العسال أستاذنا الكبير في مقدمة الكتاب بأنه كان لها الصديق قبل الزوج معترفة بأنها أفادت من مكتبته في إنجاز رسالتي الماجستير والدكتوراه التي حصلت عليهما في الأدب والنقد من كلية دار العلوم جامعة القاهرة. أفادت بما فيها من مراجع ومصادر ودوريات وجرائد. بل كانت هذه المكتبة سندها الكبير في قراءاتها وكتاباتها وكتبها النقدية ورحلتها مع الثقافة حتي مدير عام إدارة المواهب بهيئة قصور الثقافة حالياً. وكانت اللحظة الأكثر تأثيراً عليها حين رد أستاذنا علي أحد الأصدقاء ناصحاً بأن يهدي تلك المكتبة لإحدي الجامعات الكبري قائلاً: هذه المكتبة لزينب العسال. ربما هي المرة الأولي التي تكشف لنا فيها د. زينب العسال عن ملامح هذه العشرة الطيبة. وربما كان أستاذنا جبريل متعمداً أن يمنحها هذه الفرصة ليعوض صمته وعدم تناوله لذكريات رحلة زواجهما في عمل أدبي. أقول ربما غير جازم بأن استاذنا أحجم عن تناول هذه الفترة من عمره. بل أجزم بأنها ستكون من أخصب فترات حياته الإبداعية من حيث الإنتاج والنضج. وأتوقع أن يفرد لها مساحات من أعماله التي تضاف إلي أجمل ما كتب. ولابد أنه سيحزن كثيراً وسنحزن معه لو خلت قائمة مؤلفاته من زينب العسال مثلما كنا سنحزن لو خلت قائمة مؤلفاته - كما يقول - من "حكايات من جزيرة فاروس" و"الحياة ثانية" و"مد الموج" و"أغنيات السنين" وغيرها من تلك الأعمال التي غلفها الحنين وكان آخرها هذا الكتاب "أيامي القاهرية" الذي بدأه بجملة رائعة تقول: "سيرتي الذاتية تعبير عن الحنين وفي يقيني أن الحنين دافع مهم لكل مبدع". ومع حنين محمد جبريل أقرأ كتابه وأكتب عنه الأسبوع القادم إن عشت إن شاء الله.