كانت تلك الليلة هي الأخيرة التي نسمع فيها صوت أم شلبي والصول مغاوري. تعودنا ضبط موعد نومنا علي انقطاع صوتهما. دائما تكون أم شلبي وعائلتها طرفا والصول مغاوري بمفرده طرفا.كنا نتبين صوته بصعوبة في حين كان صوتها عالياَ يصل الشارع واضحاَ. ينقل إلينا تفاصيل الخناقة اليومية.سمعناه يقول - حقي ارتاح في بيتي - كسر حقك. حد مانعك ماتقفل علي نفسك - وإيه يغصبني؟ - ولادي ملمومين حواليا. أطردهم عشان السبع بتاعي مش طايقهم! - كل واحد واللا واحده ليها بيت - ماتنساش يا حضرة الصول انك حفيت عشان تتجوزني وانت عارف إن ولادي مابيفارقونيش - مالي انا بولاد مبيض المحارة والتاني بتاع الحشيش واللا التالت بتاع الخردة - ما تفتحش علي نفسك. علي الأقل كانوا رجاله وماليين عيني وخلقت منهم. خليك انت بخيبتك . خليني ساكتة - وانتِ يعني فارقه معاكي. مالرجاله داخلين خارجين - أدام عينك ياحضرة الصول. أتخن راجل بياخد له نفسين ويهزر شويه ويتكل علي الله. و بعدين عيب عليك . ياراجل مش مكسوف علي دمك! ده مرتبك ما يكفيش البيرة اللي بتطفحها وسطنا كل ليلة - البيرة دي ماعرفتهاش غير لما اتجوزتك - اسمع يامغاوري لو راجل صحيح والنخوة واكلاك طلقني واسيب لك بيتك دلوقتي حالا. وانت عارفني مش هاغلب. معلمين أد الدنيا بدل الواحد عشرة - مش هاطلقك وشوفي لك صرفة في البلاوي بتاعتك. انا متجوزك انتِ مش الجرمأ اللي من كل راجل شوية - ياتطلقني يانا يانت في البيت ده يامغاوري - مش هاطلقك - يبقي مالكش عيش معايا لم نسمع بعد ذلك الا صراخ الرجل - سيبوني ياولاد الكلب. ماحدش له دعوة بيّ. ده بيتي رأينا أم شلبي وبناتها يخرجن إلي البلكونة وباب البيت يفتح وشلبي وزوج أخته يحملان الصول مغاوري ويرميانه خارج البيت. سمعنا بنات أم شلبي يزغردن بينما تسحب مغاوري بعيدا عن عيون أهل الشارع الذين كانوا في البلكونات والشبابيك يراقبونه حتي اختفي لانعرف للصول مغاوري أهلاَ. مايعلمه الجميع انه جاء بطوله عرّيفاَ صغيراَ في الداخلية. سكن في حجرة تحت بير السلم في منزل الحاج عبد البديع بشارع النص. ثم اشتري بالقسط قطعة الأرض التي ظل سنوات يبني عليها الدور الأرضي. ثم دفع له رزق البقال واسماعيل الفكهاني مقدم دكانين بني به الدور الثاني وسكنه علي المحارة. ظل مغاوري وحيدا حتي جاء بأم شلبي زوجة له. فدهنت البيت من الداخل والخارج وغيرت العفش والأجهزة. أول ماجاء الي شبرا أوقفوه حراسة علي محل اسطفانوس الجواهرجي بشارع عرابي. وجدوه بعد أسبوع مقيدا من يديه و رجليه داخل المحل دون بندقيته. قال في التحقيق إن ملتحين هاجموه وسرقوا المحل. نقلوه إلي مبني القسم بعد أن جردوه من الشريطة الوحيدة علي ذراعه . عينوه مراسلة علي باب المأمور. ظل من يومها يقف مكانه حتي بعد أن ترقي الي درجة الصول وركب حديدة علي كتفيه. أما عن ام شلبي فقد انتظرنا أياما طويلة علي ثقتنا في قدرات رزق البقال في التقصي عنها. لم يخيب الرجل ظننا وتطقس ودحلب الأطفال الصغار أحفادها وبناتها الكبار وتتبع الخيوط حتي علم بتاريخها وحاضرها. أم شلبي نفسها أصبحت بعد فترة طويلة لاتخرج من البيت أو تعود إليه دون أن تمر عليه وتدردش معه.بعد ان ظلت فترة طويلة في حالها لا تكلم أحداّ في الشارع. أخبرنا رزق البقال أنها كانت منذ صغرها تعمل مع أبيها في غرزته الملاصقة لأحد مصانع النسيج الذي يتوسط مجموعة المصانع علي حدود عزبة الجوهري. تبيع القهوة والشاي والمعسل وترص الجوزة وتلف علي الأسطوات والعمال داخل المصانع . كانت تمسك لكل زبائنها نوتة صغيرة لحساب كل واحد تحصل عليه يوم القبض الذي تعرفه جيدا. مات الأب فواصلت ام شلبي بمفردها وكانت كلما كبر أحد أولادها الصبيان أو البنات وعددهم ستة تنصب له غرزة بعد ان تستأذن صاحب المصنع. همس رزق البقال في أذن أهالي الشارع بأنه متأكد أن أم شلبي "بانجاوية" علي تقيل بعلم الحكومة. مقابل أن ترشد كل فترة عن بعض زبائنها ليسدد الضباط دفاترهم. رأي الصول مغاوري أم شلبي من كثرة ترددها علي رئيس مباحث القسم. فوجئ المخبرون والصولات حتي مأمور القسم بان أم شلبي والصول مغاوري اتفقا علي الزواج. وعلموا أنه كان زبونا دائما لغرزتها وأصبح بعد زواجهما لايفارقها. ينهي نوباتجيته ويذهب إليها ليعودا سويا أخر الليل ويخرجان في الصباح.هو الي القسم وهي الي الغرزة الأم كما يسميها رزق. توقفت سيارة الشرطة أمام بيت مغاوري ونزل مأمور القسم من الكابينة الأمامية والصول مغاوري واثنان من المخبرين من المؤخرة. رن المأمور الجرس فخرج شلبي. رحب بالمامور الذي سأله - الحاجة موجودة؟ - موجودة ياباشا اتفضل دخل المأمور وعندما اقترب مغاوري من الباب منعه شلبي - ممنوع ياحضرة الصول - ده بيتي ! نادي مغاوري علي المأمور - مش عاوز يدخلني ياباشا قال شلبي للمأمور قبل أن يأمره - تعليمات الحاجة قال المأمور مضطرا معليهش يامغاوري. استناني شوية وهانده لك دب مغاوري بقدمه في الارض وتراجع فأغلق شلبي الباب ودخل. رحبت أم شلبي بالمأمور الذي بادرها غاضبا - إيه ياحاجة !ده كلام !الراجل يطّرِد من بيته وينام في القسم ! - صبرك عليّ ياباشا اشرب قهوتك وبعدين نتكلم نادت علي ابنتها - قهوة جناب المأمور يابطة. ماوحشتكش قهوة بطه واللا إيه - انا زعلان - وانا ماقدرش علي زعلك. ياباشا انا ماخدتش منه بيته. البيت أدامه أسيبه في أي وقت بس يسيبني في حالي - ياحاجة انتي عارفه مغاوري غلبان يعني مش معقول انه هايضايقك - ياباشا راحته في إيده. انا خيرته مش طايق ولادي يطلقني واسيب له بيته.أنا مش طمعانه فيه. وحضرتك عارف انا ماستغناش عن ولادي - بعني ياحاجة لو انفصلتم بالتراضي هاتسيبه له البيت - دلوقتي حالا - طب ممكن ننده له - طبعا قوم ياشلبي هات عمك مغاوري زام شلبي قائلا - وده هالا قيه فين ؟ - أكيد عند رزق البقال. هو رزق ها يفوت الفرصة دي! علي فكرة ياباشا رزق ده ينفع يشتغل معاكم ضحك المأمور قائلا - سيبك من رزق دلوقتي دخلت بطة بالقهوة ووضعتها أمام المأمور - قهوتك الخصوصي ياباشا قال المأمور - تسلم ايدك يابطوط . أخبار جوزك إيه؟ - بقي له أسبوع في الصعيد عند مراته القديمة - ييجي بالسلامة - واللا مايجيش. مش فارقة ياباشا دخل مغاوري خلف شلبي فبادره المأمور قائلاَ - يامغاوري الحاجة بتقول إن حل الموضوع ده في ايدك انت. مش عاوز تعيش معاهم طلقها. وها تسيب لك بيتك دلوقتي حالا فوجيء المأمور بمغاوري يقول - ما اقدرش استغني عنها ياباشا اتجه مغاوري ناحية ام شلبي وقبل رأسها - حقك عليّ ياحاجة ولادك ولادي دفعته بعيدا عنها وهي تضحك اوعي كده. أهه دا كبيرة ياباشا. يبوس دماغي قهقه المأمور قائلا الله يكسفك يامغاوري أمال داوشني ليه ؟ خلاص ياحاجة مالكيش بركة الا حضرة الصول اتجه المامور للخروج وخلفه الحاجة ثم مغاوري وشلبي - شرفتنا ياباشا. كل مانحب تزورنا هانطرد مغاوري ضحكوا جميعا بما فيهم مغاوري امام البيت كان سائق السيارة ممسكا بأحد الصبية من رقبته. سأله المأمور - في إيه ياعسكري ماله الواد دا؟ - كسر ازاز العربية ياباشا اتجه المامور الي مقدمة السيارة. عاين كسر الزجاج الأمامي ثم فتح الباب أمراَ السائق - شرخ بسيط هانصلحه في السكة.