مواجهة السلاح بالسلاح سهلة ميسورة.. الأصعب منها أن تجرد الخصم من السلاح.. وتمنعه من حمله.. بل أن لا تدع له فرصة من الأساس للحصول علي السلاح أو حيازته.. وحصاره ببيئة رافضة له ناقمة عليه. المواجهة الأولي لا تتطلب تفكيراً طويلاً وتدبيراً وخططا.. ولكن نتيجة المخاطرة فيها غير مضمونة والخسارة واردة.. أما المهمة الثانية فتحتاج جهدا وفكرا ودراسة وبحثا.. والخسارة فيها تهبط إلي أقل درجاتها. المواجهة الأولي لا تتطلب غير توفير السلاح لمواجهة السلاح.. أما المهمة الثانية فتتطلب خلق بيئة جديدة حول الخصم تمنعه من التفكير.. مجرد التفكير.. في حمل السلاح.. وبالتالي تحدث فيه تغيرا عقليا ووجدانيا وتخلق لديه اهتمامات أخري توفر عليه الإقدام علي المواجهة. وعلي هذا.. سيكون أمامنا طريقتان للتعامل مع الإرهاب المسلح.. الأولي تقتصر علي المواجهة بالسلاح.. واستدعاء الإرهابيين إلي ساحة المعركة لهزيمتهم عسكريا.. والهزيمة مضمونة.. وكسب المعركة مضمون.. لكن القضاء علي الإرهاب والإرهابيين بشكل نهائي في مثل هذه المعركة وبهذه الصورة غير مضمون.. فربما تظل النار تحت الرماد.. وتخرج أجيال من الإرهابيين وراء أجيال.. الطريقة الثانية هي بذل الجهد والتفكير والدراسة لتغير البيئة الحاضنة للإرهاب.. وقطع دابره بقطع أسبابه ودواعي ظهوره.. مع الانتصار عليه أيضا في معركة السلاح. وقد خرجت دراسات كثيرة تتحدث عن البيئة الحاضنة للإرهاب وكيفية التعامل معها وتغيرها.. وأرجو أن يكون قد آن الأوان لأخذ هذه الدراسات مأخذ الجد وتطبيقها حتي لا تكون مهمة المواجهة علي عاتق الجيش والشرطة وحدهما. والاعتراف بأن هناك بيئة حاضنة للإرهاب في سيناء لا يعني اعتبار أهلها إرهابيين.. وإنما يعني الاعتراف بوجود أسباب وعناصر وجملة من الظروف الاجتماعية والسياسية والثقافية التي لم تحاول الحكومات المتعاقبة منذ عهد مبارك وحتي الآن حلها ولو بشكل تدريجي. ويمكن تلخيص عناصر البيئة الحاضنة للإرهاب في الجهل والفقر والمرض والبطالة.. وهي عناصر موجودة في كل ربوع مصر.. لكنها في سيناء أشد وطأة.. وقد أسلمت المجتمع السيناوي إلي جماعات منحرفة فكريا ودينيا أصبح لها الصوت الاعلي للأسف الشديد.. بينما افتقد المجتمع السيناوي لجماعات الإصلاح والعلم والتنوير والتثقيف.. افتقد دور الأزهر والكنيسة ومنظمات المجتمع المدني والاحزاب السياسية وقوافل التوعية والرعاية الصحية. يقد أشار الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية إلي شيء من ذلك في قوله: إن هناك جذورا اقتصادية واجتماعية وثقافية للتطرف الديني الذي يتشكل في ظل الفقر والبطالة وفي الأحياء العشوائية.. وهي بيئة لا توفر ضرورات الحياة لمن يعيش فيها.. ولا توفر له التعليم الكافي أو النسق الاخلاقي المناسب مما يسهل اصطياده وتلقينه أفكارا خطيرة تنسب إلي الدين والدين منها براء مثل تكفير المجتمع وتبرير العنف.. وقد أكدت الدراسات العلمية أن التنمية الشاملة هي المدخل الحقيقي لتصفية الفكر المتطرف.. وأن توفير فرص العمل وضرورات الحياة تهيئ المجتمع للقدرة علي محاصرة التطرف. وإذا كانت هذه الروشتة الصحيحة لعلاج جذور التطرف علي النحو الذي عرضه د.علام فإنها ذاتها الروشتة الأصح لعلاج جذور الإرهاب.. أقصد إصلاح البيئة الحاضنة للإرهاب.