مع إشراقة هلال المحرم من كل عام تقفز إلي الذهن ملحمة البطولة والايثار لهؤلاء الرجال الذين خاضوا المعارك وقهروا دعاوي الجهل والعناد ورفضوا تلك الحجة الزائفة "إنا وجدنا آباءنا علي أمة وإنا علي آثارهم مقتدون" 23 سورة الزخرف. وكان الايثار والتضحية بالنفس والأهل والديار من أهم المعالم التي تتميز بها رحلة المهاجرين من مكة وحفاوة استقبال الأنصار لهم بالمدينةالمنورة ورغم مرور نحو خمسة عشر قرناً من الزمان علي هذا الحدث في تاريخ الأمة الإسلامية إلا أنها لم تفقد بريقها وأثارها الطيبة ولا تزال الدروس المستفادة منها مصدر الهام لكل من يريد تطبيق نتائج هذه الدروس في مسيرته سواء لبناء أمة أو مجتمع أو تنشئة أجيال قادرة علي العطاء واستلهام عزيمة هؤلاء الرجال الذين كانوا نماذج في العمل ونكران الذات والبذل والعطاء قلما يجود الزمان بمثلهم. هذه الملحمة البطولية لقد تحدث عنها رب العالمين في كثير من آيات القرآن الكريم لأن المهاجرين والأنصار كانت كل أعمالهم وتضحياتهم ابتغاء وجه الله تعالي ولعل قول الله عز وجل في سورة الحشر يؤكد هذه الحقائق بما لا يدع مجالاً لأي شك أو تجاهل لمسيرة هؤلاء النماذج والنجوم في سماء التضحية والفداء بقول الله عز وجل: "للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون. والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" 8 9 سورة الحشر. فهل هناك أبلغ من هذا التعبير لتكريم هؤلاء الرجال ولعله لا يخفي علي أحد أن رب العالمين الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير قد كشف عن مكنون هؤلاء المهاجرين والأنصار الجميع في مكانة المفلحين وأي مفلحين أكثر إجلالاً وتقديراً من هؤلاء الذين تحدثت عنهم آيات الكتاب الكريم. تقديراً وتكريماً لمواقفهم المشرفة ووقوفهم بجانب دعوة الحق ونصرة الله ورسوله. قلوبهم عامرة بالإيمان وأعمالهم تسابق الزمن لاستكمال مسيرة المسلمين والتحام الفريقين علي أرض المدينةالمنورة التي لا تزال مآثر أبنائها وكرم أفضالهم تغمر القادمين لزيارة سيد الخلق والتمتع بجو هذه المدينة المعطر بعبق التاريخ وروائح الايثار والكرم والهدوء وطيب التعامل. ولاشك أن سيدنا محمداً صلي الله عليه وسلم قد استطاع بالحكمة والصبر وتحمل الكثير من صنوف الإيذاء والمعاناة التي تنوء الجبال بحملها أن يبني رجالاً كان الصفاء والحب والتضحية بالنفس والمال من أحب الأعمال إلي قلوبهم. تعلموا في مدرسة النبوة أفضل الصفات وأجل الأعمال علي يد معلم البشرية الأول سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ولا غرو فقد كان في مقدمة اهتمام الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم بناء الرجال قبل بناء الديار لأن العنصر البشري هو الأساس والدعامة الأساسية في البناء والتعمير وبناء المجتمعات وبدونهم لا يتحقق بناء أو يقام مجتمع وكل شيء بعدهم يهون فعلي اكتافهم تنهض الأمم وتشيد الحضارات وقد كان هؤلاء الرجال هم الصروح الشامخة فقد كانت جهودهم ملء السمع والبصر وخاضوا أعتي المعارك ووقفوا بجانب دعوة الحق واستطاعوا نشر عبادتها في كل أرجاء الدنيا علي أساس من قول الحق تبارك وتعالي "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين" 125 النمل ولنا لقاءات أخري مع نماذج من هؤلاء النجوم بإذن الله للاستفادة بمسيرتهم في تربية الأبناء والأجيال والمجتمعات!!.