في شهر يوليو سنة 1881 أقامت الحكومة المصرية حفلتها السنوية لامتحان مدرسة الخرطوم برئاسة محمد رءوف باشا حكمدار السودان فكانت مظهراً حياً للعناية بالحضارة والتعليم في السودان. وكان السودان المصري أواخر حكم اسماعيل وأوائل عهد توفيق قد امتد جنوبا إلي خط الاستواء وشمل بحيرة البرن وبحيرة فيكتوريا والبلاد التي بينهما وعهدت الحكومة إلي محافظ سواحل البحر الأحمر والاشراف علي شئون محافظته ومحافظتي زيلع وبربرة وأصدر إليه الخديو توفيق أمراً عالياً بذلك في 15 يونيه سنة .1880 لم يكن هذا الاهتمام سوي جزء ضئيل من الاهتمام الأكبر الذي وجهت فيه الحكومة المصرية عنايتها إلي المديريات والمحافظات البعيدة عن مركز الدولة.. وأصدر الخديو أمراً لمحمد نادي باشا مدير عموم "هرر" للسهر علي ما يكفل تقدم السودان ورخائها والمحافظة علي كيانها وذلك كما جاء في كتاب مصر والسودان للكاتب الكبير عبدالرحمن الرافعي. وفي هذا الاطار كانت مصر تنفق من ميزانيتها علي السودان سنويا نحو ثلاثمائة ألف جنيه. وقد انعكس اهتمام الحكومة المصرية أيضا علي المجال الطبي حيث أمر الخديو توفيق "ولم يكن قد وصل إلي منصب خديو بعد" بإنشاء مدرسة طب الخرطوم لتعليم أبناء السودان الفنون الطبية. ولأن الانجليز احتلوا مصر سنة 1882 اصبح من السهل عليهم التغلغل في أمور السودان لدرجة أنها أصدرت تعليمات في يناير 1884 إلي الحكومة المصرية باخلاء السودان من المصريين عندما اشتدت ثورة المهدي الذي ادعي النبوة.. وتلقي محمد شريف باشا رئيس الوزراء هذه التعليمات برفضها علي الفور وقدم استقالته احتجاجاً علي تدخل بريطانيا في شئون مصر.. وكان تصرف شريف باشا هذا تصرفا جديدا يدل علي منتهي الوطنية والشجاعة.. ورغم هذا الجانب المشرق.. إلا أن انجلترا نجحت في عقد اتفاق مع الحكومة المصرية برئاسة بطرس غالي باشا وسميت هذه الاتفاقية بالاتفاقية المسمومة التي وقعها بطرس غالي رئيس الوزراء عن مصر ومستر كرومر المعتمد البريطاني عن انجلترا. والحقيقة كما ذكر أحمد حسين في كتابه موسوعة تاريخ مصر فيما يبدو ان دور بطرس باشا غالي كان للتوقيع علي الاتفاقية فقط وبالتالي كان المصريون يعتبرونها اتفاقية من طرف واحد وأمليت علي رئيس الوزراء المصري فقط لتوقيعها.. ووصفت جريدة الجورنال اجبسيان الاتفاقية بأنها أفظع اغتصاب في هذا الجيل وقع بين الغاصب القاهرة والمغصوب العاجز!! وبعدها بدأ النضال المصري والسوداني المشترك ضد عدو واحد هو المستعمر البريطاني.