ثروات مصر المنهوبة والتي تتراوح بين 40 و60 مليار دولار وفقاً لتقديرات البنك الدولي مهددة بالضياع وفقدانها تماماً بسبب "الإخوان" الذين استغلوا ملف لجان استرداد الأموال لتحقيق مكاسب شخصية باهظة لقياداتهم وللجماعة دون أي مراعاة لمصلحة الوطن. رجال السياسة والقانون أكدوا أن هذا الملف شهد الكثير من التجاوزات التي تصل إلي حد الجريمة وكان شعار "المصالحة مقابل المشاركة" الذي رفعه الإخوان لابتزاز رجال الأعمال ورجال مبارك الجريمة الكبري التي حققوا من خلالها الكثير وأضاعت علي مصر الأكثر. قالوا ان لجان استرداد الأموال أهدرت مئات الملايين من الجنيهات في السفريات والانتقالات وترجمة المستندات واتسم عملها بتضليل الرأي العام والازدواجية وروجت لضرورة صدور حكم نهائي بالإدانة حتي يمكن استرداد الأموال رغم عدم صحة هذا حيث توجد وسائل عديدة أخري يأتي علي رأسها اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد التي تضمن لنا الحصول علي حقوقنا. * البدري فرغلي عضو مجلس الشعب السابق وعضو اللجنة البرلمانية لاسترداد الأموال المنهوبة في عام 2012 يروي تجربته مع اللجنة قائلاً: أن مجلس الشعب المنحل شكل لجنة برلمانية لهذا الغرض وكان رئيسها القيادي الإخواني عصام العريان وكنت عضواً فيها بجانب غالبية من الأعضاء الإخوان وعقدنا أكثر من جلسة عمل تم فيها استدعاء رؤساء البنوك والقيادات الرقابية والمالية وممثلين عن اللجان المختلفة التي شكلت لهذا الغرض سواء رسمية أو شعبية وتم عرض الأماكن المخبأ فيها الأموال مثل سويسراوأسبانياولندن وباريس وقبرص وتم عرض مواقف الدول من هذه الأموال. وكان من أبرز هذه المواقف ما أصدره القاضي السويسري من التحفظ علي 400 مليون فرنك سويسري باسم حسني مبارك شخصياً وما أعلنه رئيس وزراء بريطانيا في هذا الوقت من أن لجمال مبارك 4 قصور فاخرة هناك تقدر بمئات الملايين من "الاسترليني". أضاف أنه رغم هذه الحقائق فإن الإخوان تعاملوا مع هذا الملف الخطير باستهانة شديدة فيما يخص حقوق الوطن من أموال منهوبة وفي نفس الوقت حققوا المكاسب الهائلة لهم ولاتباعهم من وراء ذلك وبدأت مواقفهم تظهر بوضوح بعد حل البرلمان حيث قام رئيس اللجنة عصام العريان بجمع كافة الأوراق والمعلومات التي حصلنا عليها من خلال جلسات الاستماع التي حصلنا عليها من اللقاء بمختلف الجهات الرقابية والمالية والبنكية وذهب بها إلي مكتب الارشاد بالمقطم. استطرد قائلاً: وبعد ذلك كانت الجريمة الكبري حيث تم اسناد الأمر برمته إلي مكاتب محاماه في الخارج وخاصة في لندن يشارك فيها محاميان شهيران في مصر الأول مشهور بتقديم مبادرات للتصالح مع الإخوان والثاني معروف أنه محامي الإخوان وقيادات الجماعة وهذه المكاتب لم تقم بالدور المنوط بها وهو استرداد الأموال ولكن كانت مهمتها الأساسية تطبيق شعار "المصالحة مقابل المشاركة" أي التصالح مع الهاربين خاصة في لندن مقابل الحصول علي نصف أموالهم وقد حققوا من وراء ذلك أموالاً طائلة لا نعرف أين ذهبت. أشار إلي أنه من الغريب أيضاً أن هذا المبدأ لم يطبق علي حسين سالم ولم نحصل علي نصف أمواله كدولة كما عرض محاميه أكثر من مرة رغم أن هذه الأموال طائلة وأبرزها شركة الشرق الأوسط لتصدير الغاز وقيمتها تقدر بمليارات الدولارات. أكد أننا لم نتعامل مع هذا الملف الخطير بالجدية المطلوبة سواء عن قصد أو غير قصد فحتي الآن لم نتقدم بالأحكام النهائية التي صدرت ضد مبارك ونجله جمال في قضية القصور الرئاسية وضد حسين سالم في قضية الإسكندرية إلي سلطات البلدان التي تم تهريب جزء من الأموال لديها. أضاف: لم نستفد من قانون البنوك الحالي الذي تم اعداده بعد حادث 11 سبتمبر بأمريكا بهدف مطاردة الأموال التي تخرج من البلدان المختلفة سواء كانت بطريقة غير مشروعة أو لاستخدامها في الإرهاب حيث يتيح لنا القانون هذا الأمر ومخاطبة الدول الأخري لاستعادتها ولا أريد أن أقول أن استمرار هذا التجاهل واضاعة الوقت والاستجابة لمحاولات البعض لاخفاء الحقيقة والعمل علي كسب الوقت حتي تنسي الذاكرة الوطنية ما حدث من تجريف لثرواتنا يصل إلي درجة التواطؤ من بعض الجهات التي لا تعمل بجدية لاستعادة أموالنا. الخطوة المطلوبة * شحاته محمد شحاته المدير التنفيذي للمركز المصري للنزاهة والشفافية- يؤكد أننا تعاملنا مع هذا الملف بعد ثورة 25 يناير كورقة فقط لكسب التعاطف الشعبي دون اجراءات حقيقية تضمن استعادة الأموال المهربة والبداية كانت مع المجلس العسكري الذي أدار الأمور بعد الثورة حيث لم يكن بصراحة يمتلك الإرادة السياسية المطلوبة للتعامل مع هذه القضية ولم يساهم بأي شكل في تجميد الأموال المنهوبة في الخارج بل الذي قام بذلك الاتحاد الأوروبي كإجراء تحفظي بعد الثورة ولم ننفذ نحن الخطوة المطلوبة منا بعد ذلك بإعداد ملفات تؤكد أحقيتنا في تلك الأموال لدرجة أننا لم نستجب لمطلب الاتحاد الأوروبي بتقديم ما يعرف ب "الكود سويفت" الذي يتضمن حركة الأموال أثناء خروجها من مصر. اضاف أنه تلا ذلك مرحلة ما سمي باللجان الشعبية لاستعادة الأموال ومن أشهرها لجنة جبريل ومحسوب التي كان الهدف الحقيقي منها دغدغة مشاعر المواطنين فقط والاستفادة مالياً خاصة وأن هذه اللجان ليس لها أي صفة رسمية فكيف يمكن أن تخاطب الدول الخارجية؟ أوضح أن مرحلة تولي الإخوان للسلطة في مصر شهدت التلاعب الشديد في هذا الملف حيث كان الهدف الأول والأخير لهم هو التفاوض واللعب من تحت الترابيزة وأشهر مثال علي ذلك المفاوضات التي تمت بين حسن مالك وخيرت الشاطر من جهة وحسين سالم من جهة أخري للحصول علي 50% من أمواله مقابل التصالح أي أننا نعالج الفساد بفساد آخر أو أكبر من خلال ابتزاز رجال الأعمال الآخرين للإثراء وتحقيق مصالح الإخوان. أكد أن الترويج لضرورة الحصول علي حكم قضائي نهائي حتي نحصل علي أموالنا من الدول المختلفة ليس صحيحاً بالمرة فنحن نمتلك آلية أخري لذلك تتمثل في المادتين "54. 55" من اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد التي تضمن لنا استرداد أموالنا حتي بدون الحصول علي حكم نهائي فيكفي أن نثبت للدولة التي تم تهريب الأموال لها أن هذه الأموال حصيلة فساد أو جريمة أو غسيل أموال ليتم بحث الطلب والسير في اجراءات الرد بل أن من حقنا أن نرسل ممثلين لنا كما تنص الاتفاقية ليحضروا التحقيقات ويشرحوا حقيقة موقفنا ثم الحصول علي الأموال مع خصم نسبة معينة بسيطة من هذه الأموال ولكننا للأسف لم نتحرك بشكل سليم فما يحدث ينطبق عليه المثل القائل "ضجيج بلا طحين" فالكل يرفع صوته فقط ويستخدم الملف لمصلحته الشخصية. حذر من أن طول مدة بقاء هذه الأموال في الخارج يمكن أن يؤدي إلي ضياعها حيث يمكن أن تنتقل إلي أماكن أكثر سرية أو إلي بنوك بعض الجزر التي تسمح بفتح حسابات بأسماء مستعارة وساعتها ستضيع الأموال تماماً. قنابل الدخان * معتز صلاح الدين منسق المبادرة الشعبية لاسترداد ثروات مصر المنهوبة يؤكد أن ملف استرداد ثروات مصر بلا أب شرعي وتم التلاعب به من جهات عديدة أطلقت ما يشبه قنابل الدخان دون فعل حقيقي علي الأرض بل أن بعض الجهات تلاعبت في هذا الملف وحققت من وراء ذلك مكاسب شخصية مثل محمد محسوب ورئيس حزب هارب إلي لبنان حيث قاما بالتواطؤ مع حسين سالم ومده بمستندات قام بتقديمها إلي المحكمة الدستورية في أسبانيا لترفض تسليمه بعد أن كنا حصلنا علي حكم من محكمة أول درجة بتسليمه لمصر والحصول علي أمواله وتم هذا التلاعب من قبل محمد مرسي في هذا الوقت حيث كان يسعي جاهداً لاغلاق الملف من الناحية الرسمية بغية الحصول علي عمولات ومكاسب للجماعة في الخفاء. أوضح أن المبادرة الشعبية سعت بكل جهدها في هذا المجال حيث يوجد لنا منسقون في أسبانياوبريطانياوأمريكا وكندا وسويسرا وفرنسا ونجحنا في اقامة تحالف في بريطانيا مع اندي سلوتر الوزير في حكومة الظل هناك وتم تجميد أموال 19 شخصية في لندن وحكم بتسليم حسين سالم لولا التواطؤ الذي تحدثت عنه وقامت سويسرا بتجميد أموال 17 شخصية من تلقاء نفسها ثم تم إضافة 14 شخصية أخري لها بعد تواصلنا مع رئيسة سويسرا وكل الجهات الفاعلة هناك. أوضح أن هناك الكثير من الأموال التي تم حصرها في الخارج وتحديداً في دول الاتحاد الأوروبي التي يوجد فيها تقريباً مليار و300 مليون دولار منها 761 مليون فرنك سويسري و84 مليون جنيه استرليني في لندن و34 مليون يورو و58 مليون دولار قيمة سيارات في أسبانيا بالإضافة إلي أمريكا ودول أخري ووفقاً لتقديرات البنك الدولي فإن الأموال المهربة من مصر تتراوح بين 40 و60 مليار دولار. أشار إلي أنه بجانب الأحكام القضائية هناك طرق عديدة لنحصل علي حقوقنا مثل التداخل في الدعاوي القضائية في الدول الأخري إذا كانت الأموال المهربة استخدمت في غسيل الأموال والثاني المجاملة في العلاقات الدولية والثالث التعاون القضائي الدولي وفقاً لاتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد وقد تمكنت تونس بموجب الاتفاقية من استعادة 40 مليون يورو من أموالها المهربة لأنها أثبتت أن هذه الأموال تحصلت بطرق غير مشروعة.. كذلك نيجيريا استطاعت في عام 2003 باتفاق سياسي مع إدارة النزاهة بالبنك الدولي من استرداد 683 مليون دولار من أصل 2.7 مليار دولار تم تهريبها. اختتم حديثه مؤكداً أن استرداد الأموال ليست عملية قضائية فقط ولكنها تتطلب جهوداً شعبية وسياسية ولا يكفي أن يتولي الأمر كما هو حادث الآن إدارة الكسب غير المشروع وإدارة التعاون الدولي بمكتب النائب العام فالأمر يحتاج إلي الاستعانة بالكثير من التخصصات لنستعيد أموالنا ولنقضي علي الصورة السلبية التي تكونت حول هذا الملف في عهد مرسي الذي وجه ضربة قاصمة له وتعامل معه بلا فاعلية ويكفي أننا في عهده تقدمنا إلي المستشار كامل جرجس بمكتب النائب العام بالعديد من المستندات التي كان يمكن أن تساهم في استعادة جزء من الأموال ولكن لم يتحرك أحد. ظروف مماثلة * د. أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية قال ان معظم الدول النامية التي مرت بظروف مثلنا ووقعت فيها ثورات ضد الحكام الذين قاموا بتهريب أموالهم إلي الخارج مثل دول عديدة في آسيا الوسطي والكومنولث الروسي استطاعوا استرداد الأموال التي قام الحكام والمسئولون بتهريبها سواء كانت في صورة عقارات أو منقولات عن طريق وسائل عديدة. وتمثلت الطريقة الأولي في الاستفادة من الأحكام النهائية التي صدرت من القضاء الوطني وتقديم صور منها إلي الدول المهربة إليها الأموال.. والطريقة الثانية هي الاستعانة بالمتخصصين والخبراء وليس شرطاً أن كل شخص يطلق علي نفسه لقب المحامي يستطيع القيام بهذا الدور فالأمر يتطلب خبرة ودراية بالقوانين والاتفاقيات الدولية والقوانين الوطنية بالبلدان التي تم تهريب الأموال إليها. أشار إلي أن اللجان التي تم تشكيلها عملت بدون دراية أو خبرة بل وأهدرت ملايين الجنيهات في السفر والاقامة بالخارج وفي تجهيز الأوراق وترجمتها وكذلك الخطابات والمستندات التي كانت ترسل إلي الدول لاسترداد الأموال منها وفي نفس الوقت لم تحاول أن تتعلم من تجارب الدول الأخري ولهذا كانت معظم اللجان فاشلة ويأتي علي رأسها اللجنة التي قادها محمد محسوب الوزير السابق الذي ضلل الرأي العام ولم يكن يعمل لصالح مصر ولكن من أجل فصيل معين وأضاع علينا الكثير من الوقت بأقواله المغلوطة فعندما كان في الحكومة قال أن اللجنة تعمل بشكل جيد والمشكلة في الدول التي هربت لها الأموال حيث لا تتعاون معنا ثم عاد وأعلن بعد استقالته أن اللجة لم تكن تعمل بالكفاءة المطلوبة فأين الحقيقة ولماذا لم يتم مساءلته عن هذه الازدواجية. طالب النائب العام بأن يفتح تحقيقاً مع هذه اللجان التي شكلت بعد الثورة وتحديداً في فبراير 2012 لمعرفة ماذا قدموا وأسباب القصور الذي شاب عملها ومساءلة المخطئ لأن المساءلة والمكاشفة أول مبادئ الديمقراطية. النتيجة صفر * عمر هريدي المحامي قال ان هدفنا ليس التشكيك في الأشخاص ولكن من حقنا أن نتساءل ما هو الدور الذي قامت به اللجان العديدة التي تولت الأمر وانفقت الكثير من الأموال ومع ذلك فالنتائج صفر ومن المؤكد أن ذلك يعود إلي أسباب أولها في رأيي أن هذه اللجان كانت تعمل وهي لا تدري بالنواحي القانونية والاجرائية في البلدان التي تم تهريب الأموال إليها واكتفت بالقانون المصري وهو ليس الفيصل في هذه الحالة. بالإضافة إلي أن تواصلها مع المكاتب المتخصصة التي تتبع الأموال المهربة لم يحدث وكان هدفها الشو الإعلامي أكثر من تحقيق عمل ونتيجة حقيقية علي الأرض. أوضح أنه رغم قيام العديد من الدول بتجميد أرصدة المسئولين السابقين إلا أن طول الوقت يمكن أن يؤدي إلي ضياع هذه الأموال لأن التجميد ليس إلي النهاية ولكن يتم تمديده لفترات محدودة وإذا تقاعسنا عن اتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة يمكن أن تضيع الأموال وبذلك يكون عمل هذه اللجان قد اتسم بالإهمال الجسيم الذي قد يصل إلي مرحلة الجريمة المتعمدة التي يجب محاسبتهم عليها لأنه بسبب طول الوقت يمكن ألا نتحصل إلا علي ما يتراوح بين 2 و3% من الثروات المنهوبة.