لم تشهد دولة في التاريخ الحديث ما شهدته مصر ولم نسمع عن حكومة جمعت ستين مليار جنيه من شعب خلال أسبوع أو أقل. ولكن مصر فيما يبدو مختلفة عن بقية دول العالم ويبدو أن شعبها بالفعل مختلف عن بقية شعوب العالم. مصر عندما يجد شعبها أن حكومته أهل للثقة وأن هناك جدية في النية والقصد يلبي النداء ويشمر عن ساعديه وينطلق ليقف وراء قادته بكل إخلاص وعزيمة. أربعة وستون ملياراً من الجنيهات أخرجها الشعب المصري في خلال أسبوع واحد ليشتري بها أسهم قناة السويس الجديدة. هذا الشعب الغني لا تظهر قيمة معدنه إلا مع التحدي. شعب لا يعرف المستحيل وهذا ليس بشعر أو كلام شعراء. تاريخه يقول إنه نجح وباقتدار في كافة الامتحانات الصعبة في تاريخه الحديث. نجح في معركة بناء السد العالي في سيتينات القرن الماضي عندما منع صندوق النقد الدولي التمويل اللازم لبناء السد. فقام بتوفير التمويل اللازم وبأيدي أبنائه بني السد. شعب ظن العالم انه انكسر بعد نكسة 1967 وإذا به بعد ست سنوات يبهر العالم بعبوره قناة السويس وتحطيمه لأسطورة الجيش الذي لا يقهر. شعب غني بأبنائه وتراثه وتاريخه. وعندما تم الإعلان عن غلق باب شراء أسهم قناة السويس بعد تحصيل المبلغ المطلوب تذكرت جملة قالها أمامي رجل بسيط من أهل الصعيد في غربة خليجية. كنا نتحدث عن مصر ونحن نبعد عنها آلاف الأميال. مجموعة من الصحفيين والإعلاميين اعتادوا الجلوس في مقهي الريان بالدوحة وكان هذا الصعيدي قريب أو بلديات أحد المتواجدين في الجلسة وكان يجلس أيضاً كفيله القطري ودار الحديث عن مشاكل مصر وغربة أبنائها وحلم الثراء الذي يداعب المصريين الذين شدوا الرحال إلي الخليج فإذا برجل الصعيد وبنبرة واثقة يؤكد أن مصر أغني دول العالم وأن شعبها من أفضل شعوب العالم وعندما سأله كفيله عن سبب وجوده في قطر والعمل فيها ولماذا ترك مصر الجميلة كان رده مبهراً.. لقد جاء إلي قطر للتعارف واستمر في الحديث عن غني مصر وثرائها. موجهاً حديثه إلي كفيله قائلاً: مصر لديها ستون مليون ملعقة المونيوم- كان تعداد مصر في ذلك الحين حوالي الستين مليوناً- مضيفاً: هل هناك دولة فيها هذا العدد من الملاعق والسكاكين وانفجر الجميع ضاحكاً ويبدو أن الثراء ليس في المال وحده. فهناك جوانب أخري يمثلها هذا القادم من الجنوب ليؤكد أن مصر بالفعل من أغني دول العالم.