احتلت اسكتلندا مساحات من الصحف يومي الخميس والجمعة الماضيين بسبب سعي شعبها إلي الاستقلال عن بريطانيا "المملكة المتحدة" والاستفتاء الذي انتهي الجمعة "أمس" بفوز من يؤيدون البقاء في حضن الاتحاد. والذي يضم إلي جانب انجلترا. ايرلندا الشمالية. وويلز.. وهكذا مني الذين سعوا إلي الاستقلال من القوميين الاسكتلنديين بالهزيمة. ومن يري وجه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في يوم انعقاد الاستفتاء وقبل ظهور النتيجة ويتأمل الحسرة الشديدة التي عبر عنها بينما يدعو الاسكتلنديين إلي البقاء داخل الاتحاد. ثم اعترافه بأنه لن يذق النوم قبل ظهور نتيجة الاستفتاء علي الاستقلال من يراه يدرك أسباب فشل الحروب الطاحنة العديدة التي خاضتها اسكتلندا من أجل الاستقلال والانفصال عن بريطانيا. لن اخوض في السياسة. فلست من الضالعين فيها. ولكنني بهذه المناسبة أشير إلي أحد أهم وأجمل الأفلام التاريخية التي جعلتنا ننتبه إلي التاريخ الدموي بين اسكتلندا وبريطانيا منذ الملك ادوارد الأول في القرن الثالث عشر وهي الفترة التي دارت فيها أحداث فيلم "قلب شجاع" "Brave heart) "1995" الذي أخرجه وانتجه وقام ببطولته الممثل الاسترالي الأصل ميل جيبسون "1956 ......". ولم نكن نحن عشاق السينما قبل مشاهدة هذا الفيلم نلتفت إلي المطامع الهائلة التي جعلت ملوك انجلترا علي امتداد القرون يفرضون سيطرتهم علي اسكتلندا. ويصرون علي جعلها مملكة تابعة لهم. ولم نكن نلتفت إلي قوانين شديدة القسوة بالغة الانحطاط التي فرضها البريطانيون علي أهل اسكتلندا حينئذ ومنها حق "الليلة الأولي" "Prima Nocta) الذي يجعل من حق اللورد الانجليزي أن يضاجع العروس من أبناء "رعاياه" قبل أن يدخل بها زوجها الشرعي. وهو الأمر الذي جعل البطل الثائر ويليام والاس يتزوج من حبيبة طفولته سراً حتي يفلت من انفاذ هذا الحق. الأمر الذي أدي لاحقاً إلي اغتصابها من قبل الجنود البريطانيين ثم أسرها واعدامها علناً. ويليام والاس بطل الفيلم "ميل جيبسون" أول من قاد المقاومة ضد الانجليز الذين احتلوا بلاده اسكتلندا. وخاض بشجاعة اسطورية أول حروب الاستقلال عام 1297. وتصدي للإرهاب الانجليزي برباطة جأش وحفز آلاف الاسكتلنديين للدخول في المعركة التي صورها الفيلم في مشاهد جماعية قوية وبليغة. وانتهي بانتصاره في معركة سترلنج بردج بعد أربعة أشهر. بريطانيا العظمي مارست منتهي الإرهاب علي طول امتداد التاريخ علي أبناء مستعمراتها داخل الامبراطورية التي غرُبت عنها الشمس. وكانت المملكة المتحدة نفسها مهددة بالتفكك لو أن القوميين انتصروا وحققوا الاستقلال في الاستفتاء الأخير.. ومن هنا تم لمح الحسرة واللون الأحمر القاني الذي غطي وجه رئيس الوزراء البريطاني الشاب ديفيد. الفيلم رشح لعشر جوائز أوسكار فاز بخمس منها "أفضل فيلم. أفضل مكياج. أفضل تصوير. أفضل صوت. وأفضل اخراج". وبطبيعة الحال أثار جدلاً واسعاً. وطرح اسئلة عديدة حول مدي الدقة التاريخية في سرد الأحداث. ومع ذلك فلا يستطيع أحد أن يشكك في حقيقة الشخصية التاريخية ويليام والاس الذي يعشقه ويجله شعب اسكتلندا. وكذلك لا يشكك أحد في شخصية إدوار الأول الملك البريطاني. ولا الطغيان الذي مورس علي أبناء هذه البلاد. ولا القوانين التي أخضعوا لها ولا الشخصيات الثانوية التي لعبت أدواراً في هذه الحقبة من التاريخ.. التاريخ تحفظه السينما حتي وإن كان ناقصاً. تمثل نوعية الفيلم التاريخي أهمية بالغة تجعلها جديرة بالاهتمام كمصدر للالمام بتاريخ الإنسانية والصراعات الدموية التي خاضها البشر من أجل تحقيق العدالة التي في تقديري لن تتحقق أبداً ودونها بحور من الدماء وذلك بسبب الموبقات السبع القاتلة التي تسيطر علي البشر ومنها الجشع والطمع والنفاق.. والخ.. أو يسيطر عليها بالأحري قانون الأسماك حيث تلتهم الحيتان الأسماك الصغيرة ومن ثم يفرض الطغاة قوانينهم ثم يحملون للمفارقة ألقاب "عظمي" "كبري".. الخ.. صفات التفخيم!!