تصرفات الدولة مثلها مثل تصرفات الأفراد. تخضع للصحة والبطلان وتحكمها قواعد قانونية تكفل تنفيذ الالتزامات المتبادلة وفسخ العقود في حالة إخلاء أي من المتعاقدين تنفيذ التزاماته. وهناك فرق بين طلب بطلان العقد. وبين طلب الفسخ. فالعقد الباطل لا ترد عليه الصحة ولا يجوز إزالة سبب البطلان. لأنه يصيب أحد أركان العقد فيجعله هو والعدم سواء. أما طلب فسخ العقد فإنه يرد علي عقد صحيح ويمكن مفاده الفسخ وإزالة المخالفة إلا إذا كان هناك شرط فاسخ صريح. فلا يمكن في مثل هذه الحالة إعادة العقد إلي الوجود. ضرب لنا القضاء المدني والقضاء الإداري كثيراً من الأمثلة وآخرها الحكم الصادر من الإدارية العليا ببطلان عقد مدينتي والذي أسس حكمه علي سببين أولهما: مخالفة القانون.. لأنه يتعين أن يتم التعاقد علي الأراضي المباعة من الدولة أياً كانت الهيئة أو الجهة التابعة عن طريق المزاد العلني. في حين أن أرض مدينتي كان عقدها بالأمر المباشر.. وثانيهما: أن سعر متر الأرض يختلف عن مثيله في الوقت المعاصر لتخصيصها. وأصبح حكم الإدارية العليا مبدأ لا تجوز مخالفته من جميع الجهات الإدارية أو الالتفاف عليه. وإن شئنا الدقة فإن هذا الحكم أصبح في مرتبة القانون. ذلك لأن القضاء الإداري قضاء إنشائي. أي ينشئ القاعدة القانونية وليس مثل القضاء العادي الذي يطبق القاعدة القانونية فقط. ومن المستقر عليه فقهاً وقضاءً أن المبادئ الملزمة للقضاء الإداري هي علي الترتيب التالي: السوابق القضائية. عُرف الجهة الإدارية. وآراء الفقهاء. ثم القانون.. أي يأتي القانون في المرتبة الأدني.. وليس هذا معناه أنه يجوز للقضاء الإداري أن يخالف القاعدة القانونية. بل معناه إذا وجد قاعدة أفضل لتحقيق المنفعة العامة فإن هذه القاعدة هي الأولي بالاتباع لذلك أصبح القضاء الإداري في مصر وفرنسا يُعرف بأنه قضاء إنشائي. وخير دليل علي ذلك أن قانون الإجراءات القضائية ينص علي أن تلتزم المحاكمة الجنائية في المسائل المدنية بأحكام القانون المدني. لذا لابد أن نطبق المبدأ الذي ورد في هذا الحكم علي جميع قضايا الفساد التي تتعلق بالتصرفات في الأراضي بغير الطريق الذي رسمه القانون 89 لسنة 1998 وهو طريق المزاد العلني ومن شأن تطبيق هذا المبدأ علي قضايا الفساد هو أن يقدم كل من خالف القانون للمحاكم بتهمة التربح. وهو تحقيق ربح بطريقة غير مشروعة وأن تطلب النيابة من الجهة الإدارية إصدار قرار جديد برد الأراضي للدولة كما يجوز للنيابة أن تطلب من المحكمة الجنائية رد الأرض المتصرف فيها. وكلا الجهتين: الإدارية والمحكمة الجنائية صاحبتا اختصاص في رد الأرض.