قال د. شوقى السيد، عضو مجلس الشورى محامى مجموعة طلعت مصطفى، إنه سيرفع دعوى بطلان على حكم الإدارية العليا بإلغاء عقد «مدينتى» بعد تسلم نسخة رسمية من الحكم موقعة من رئيس المحكمة وتراعى فيها 9 ملاحظات مدونة على هامش مسودة الحكم، وأن وزير الإسكان أحمد المغربى رفض تقاضى سعر الأرض ماديا وأصر على نسبة عينية من الوحدات السكنية، وأراد الاستفادة من خبرة المجموعة فى التسويق العقارى من خلال وضع بند فى العقد ينص على التنسيق بين الجانبين قبل طرح نسبة الحكومة للبيع. وأضاف السيد فى حوار مع «الشروق» ننشر الجزء الأول منه اليوم أن حكم أول درجة ببطلان العقد «معدوم» وأن المستشار محمد الحسينى، رئيس مجلس الدولة السابق، لم يكن راضيا عن الحكم، وأن المحكمة الإدارية العليا تجاهلت الانتقال إلى موقع المشروع للتأكد من استحالة تنفيذ حكم البطلان. • هل نفذت الحكومة حكم الإدارية العليا بطريقة صحيحة؟ بكل تأكيد تمت مراعاة الحكم عند التنفيذ، والدليل أن الحكومة قالت صراحة إنها أنهت العقد الأول وأخذت بفكرة البطلان، رغم أن محل العقد الأول لم يعد موجودا كما قالت اللجنة المحايدة لبحث طريقة تنفيذ الحكم، فالأرض التى كانت صحراء جرداء ضخت فيها مليارات الجنيهات وتغيرت حالتها تماما، كما ارتبطت بالعقد أطراف جديدة متمثلة فى الحاجزين والساكنين الذين ارتبطوا بالمشروع ككل ولم يعد ممكنا هدم أوضاعهم الظاهرة والمستقرة. • ما معنى ارتباط الحاجزين بالمشروع ككل؟ هى صيغة قانونية تنفى ارتباط الحاجز أو الساكن بوحدته الخاصة فقط كما يدعى البعض، فاستقرار وضعه لا يقتصر على استمرار ملكيته لوحدته، بل يمتد لحماية المشروع بأكمله بما يضمه من 13 مكونا أهمها المستشفيات والخدمات والمساحات الخضراء والمدارس ومجمع الشركات، حيث تعلق حق الساكن بمشروع «مدينتى» مكتملا بعدما صدرت بشأنه قرارات التخطيط العام للمشروع فى 2006، واعتمدتها وزارة الإسكان بإجراءات صحيحة وفى العلن وليس فى الخفاء. • ولماذا قالت المحكمة الإدارية العليا إن التعاقد تم فى الخفاء؟ المحكمة نسبت هذا الكلام فى حيثياتها إلى «العلم العام» وهذا لا يصح، ففى لغة الأحكام قواعد وأصول مستقرة أهمها الهدوء والموضوعية وعدم التوتر أو الغضب والالتزام بما جاء فى الأوراق وعدم الخروج عنها. وقد خالف الحكم ما استقر عليه القانونان الفرنسى والألمانى منذ قرون أن أحكام البطلان غير مستقرة وأحيانا تسودها الفوضى لمساسها بمسألة حماية العقود المستقرة، كما أن الحكم لم يوقع الجزاء المناسب على من ارتكب الخطأ فى التعاقد، فالمعروف أنه «إذا أخطأ أحد المتعاقدين يجب أن يتحمل الخطأ على أم رأسه» والشركة لم تخطئ. • ولكن البعض يؤكد أن الشركة لم تكن حسنة النية لأنها لم تطلب من الدولة مراجعة العقد فى مجلس الدولة؟ هذا كلام معكوس فليس بإمكان أى متعاقد أن يطلب ذلك، فالأصل أن تثق الشركة فى الدولة والتزامها بأحكام القانون، وكل ما يتوجب على الشركة ألاّ ترتكب غشا أو تدليسا أو إكراها. وقد قالت هيئة المجتمعات آنذاك إنها أعدت العقد بنموذج متبع فى كل البيوع السابقة، بهدف إسراع التعاقد وعدم تعطيل الإجراءات، وللجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع فتاوى سابقة تبيح عدم مراجعة العقود وتعديلها فى وقت لاحق إذا ثار الخلاف بين أطرافها. • هل جملة «العلم العام» لها سابقة قضائية فى أحكام مجلس الدولة؟ العلم العام يعتمد عليه فى وصف أمور لا خلاف عليها بين الجميع كالموقع الجغرافى لمكان، لكن غير مقبول أن تقول المحكمة إن إجراءات التعاقد تمت فى الظلام أو أن الثمن الذى تقاضته الحكومة بخس، لأن هذا يتناقض مع ما قررته النيابة العامة بعد التحقيقات ومناقشة الشهود ودراسة عمليات بيع الأراضى الملاصقة للمشروع وسؤال ممثلى الشركات الأخرى. • هل حصلت المحكمة الإدارية العليا على ذات الأوراق التى حصلت عليها النيابة العامة؟ نعم، ولم تكن هناك أى مستندات تقول إن الثمن بخس، بل قدمنا تقرير إدارة خبراء الكسب غير المشروع بوزارة العدل والذى انتهى إلى أن السعر يزيد بنسبة 519% عن متوسط أسعار البيع الأخرى فى ذات المنطقة وفى ذات الفترة الزمنية وأورد فى تفاصيله أسماء شركات كثيرة حصلت على أراض مقابل أسعار أقل، وتجاهلت المحكمة هذا التقرير تماما. وإذا تعرضنا لتأثير الثمن على العقد، فالثمن البخس لا يرتب البطلان ولم يكن له أى أثر على نتيجة الحكم، لأن العلاج القانونى السليم لمسألة التسعير هو إعادة التوازن المالى للعقد إذا اكتشف أحد الأطراف أنه تعرض للظلم. • ومن حدد فى البداية نسبة 7% من الوحدات كمقابل عينى للأرض؟ فى عهد وزيرى الإسكان السابق إبراهيم سليمان والحالى أحمد المغربى، تم عرض هذا الثمن على جميع اللجان العقارية ومجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية، ثم عرضت الشركة عام 2006 مبلغ 2.2 مليار جنيه كمقابل نقدى للأرض قبيل عملية توصيل المرافق لحدود المشروع، وأعيدت دراسة مسألة المقابل فى حضور ممثلين للجهاز المركزى للمحاسبات والرقابة الإدارية ومجلس الدولة، وأصر المغربى على المقابل العينى وأقره مجلس الوزراء بدون تعديل العقد. • وما الشروط المجحفة فى العقد التى تحدث عنها حكم البطلان؟ هى ليست شروطا مجحفة بل موجودة ومتعارفا عليها فى جميع العقود الإدارية، أولها حق الشفعة المنصوص عليه فى القانون المدنى ويمنح المالك أولوية الحصول على مساحة الجار عند عرضها للبيع بذات الشروط. والشرط الثانى هو التنسيق بين هيئة المجتمعات والشركة قبل عرض الوحدات المملوكة للدولة للبيع، وهو ليس شرطا مجحفا باعتراف الوزير المغربى، فالحكومة ترغب فى الاستفادة من «خبرة التاجر الشاطر» لمعرفة سعر السوق حتى لا تخدع فى عمليات البيع، والشركة تقترح السعر وتوقيت البيع وطريقته ومن حق الدولة قبول الاقتراح أو رفضه، كما من حقها التصرف فى الوحدات بالبيع المباشر أو التخصيص أو المزاد، وحصلت الهيئة بالفعل على 8 عمارات ولم تتصرف فيها بعد. • وهل حققت النيابة العامة فى قانونية هذه الشروط؟ النيابة العامة درست هذه الشروط وقالت إنها تصب فى مصلحة الهيئة، ولذلك أكدت أن واقعة البيع خالية من جرائم العدوان على المال العام، وقدمت للمحكمة الإدارية العليا تقرير النيابة بالكامل وحيثيات حفظ القضية لكنها لم تلتفت له إطلاقا. • أيهما اطلع وتوغل فى تفاصيل القضية أكثر.. النيابة العامة أم الإدارية العليا؟ النيابة حققت جنائيا وتحركت بشكل أوسع وأعمق، لأنها تملك سلطة التحقيق وتوجيه الاتهامات وسؤال الشهود، فتوصلت للحقائق من خلال دعوة ممثلى الشركات صاحبة المشروعات المماثلة، ودرست عقود بيع الأراضى لها، وأحالت القضية لخبراء متخصصين وناقشتها مع رجال الجهاز المركزى للمحاسبات والرقابة الإدارية. أما المحكمة الإدارية العليا فقد تجاهلت طلبنا بالانتقال إلى موقع المشروع للتأكد من استحالة تنفيذ حكم البطلان. • ولكن محكمة القضاء الإدارى رفضت ذات الطلب من قبل؟ لأنها وقفت عند نقطة قانونية محددة هى وجوب تطبيق قانون المزايدات، رغم أنها نقطة خلافية فى الأصل، لكن الإدارية العليا تعرضت لمسائل أخرى وكان من الأولى أن تجيب عن تساؤلنا: «هل يمكن تنفيذ حكم البطلان؟» • ما الحالات السابقة لأحكام بطلان العقود فى القضايا المشابهة؟ لا توجد أى أحكام سابقة ببطلان عقد أنتج مشروعا ضخما بحجم «مدينتى» فالحكم الوحيد ببطلان عقد صدر عام 2003 وكان فى حالة معينة لم ينشئ التعاقد فيها أى حق للمستثمر، حيث أوجب الحكم على محافظ الإسكندرية عدم إتمام بيع قطعة أرض لمستثمر لم يتسلمها ولم يدفع المقابل ولم يكتسب حقوقه الطبيعية من التعاقد. بل إن حكمى قضية «مدينتى» خالفا حكما شهيرا فى حالة مشابهة برفض فسخ العقد، عندما رفضت محكمة القضاء الإدارى إعادة أرض «بورتو مارينا» للدولة وحكمت باستمرار تعاقد وزارة الإسكان مع الشركة المالكة للمشروع. • إذن.. هل حكم الإدارية العليا مشوب بالبطلان؟ لا أستطيع أن أقول هذا، لأن التعليق على أحكام القضاء يكون بين رجال القضاء والقانون فقط وبهدف الدراسة والمصلحة العامة.. لكننى مستعد للدخول فى مناظرة قانونية حول الآثار السلبية المترتبة على حكم البطلان ومخالفته لجميع المبادئ الراسخة، فجزاء البطلان لا يترتب على مخالفة إجراءات التعاقد. • ولماذا لم ترفع دعوى بطلان لإلغاء الحكم؟ سأرفعها فى الوقت المناسب وبعد الحصول على صورة رسمية من الحيثيات موقعة من رئيس المحكمة، فكل ما قيل ونشر هى أسباب قريبة من المسودة ولا يمكن الاعتماد عليه.. والمسودة بها 9 ملاحظات مسجلة على الهوامش توجه بمراعاتها عند إصدار الصورة الرسمية. • ذكرت فى طعنك على حكم القضاء الإدارى أن تشكيل الدائرة لم يكن صالحا لنظر القضية لوجود خصومة بين عضوين بها وبين هيئة المجتمعات العمرانية لكن الإدارية العليا رفضت ذلك.. فما ردك عليها؟ هذه الواقعة من شأنها إعدام الحكم، لأن النص القانونى الصريح يتحدث عن عدم صلاحية القاضى للتصدى لقضية هو خصم لأحد أطرافها، احتراما للنظام العام وحقوق المتقاضين، سواء كانت هذه الخصومة من ذات نوع الخصومة المعروضة عليه أو بغيرها، فالنص هنا واضح وباتر وحاسم. ولا تملك الإدارية العليا أن تحكم على مدى تأثير هذه الخصومة على صلاحية القاضيين، ولذلك فأنا أختلف مع ردها على هذا الدفع، وأعتبره ردا لا يعيد الحياة لحكم القضاء الإدارى، لأنه معدوم. • لماذا لم ترد القاضيين خلال نظر القضية فى أول درجة؟ لم أكن أعلم شيئا عن خصومتهما مع هيئة المجتمعات، حيث وصلتنى المعلومة فيما بعد بالمصادفة من خلال الهيئة، وليس من عادتى رد القضاة، ففى الحالات المشابهة إمّا أنسحب أو أقول للقضاة «أرجو أن تستشعروا الحرج». • ما رأيك فيما قاله الحكم عن مخالفة هيئة المجتمعات قانونها الخاص عندما سمحت للشركة بإنشاء مجتمع عمرانى متكامل رغم أن إنشاء المجتمعات من سلطة الهيئة فقط؟ هذا الكلام خاطئ تماما، لأن مقدمة العقد نصت على إنشاء «مشروع إسكان حر فى مجتمع عمرانى هو مدينة القاهرةالجديدة المنشأة بقرار جمهورى» وبالتالى فمشروع «مدينتى» ليس مجتمعا عمرانيا مستقلا بل مشروعا ضخما للإسكان. ومردود أيضا على هذا الكلام بأن الهيئة دعت العديد من الشركات للاستثمار فى ذات المنطقة واقترحت على شركات كبرى أخرى الحصول على أراضِ مشابهة، لكن مجموعة طلعت مصطفى قدمت الدراسات اللازمة وطلبت الحصول على 5 آلاف فدان كدفعة أولى، أى أن الإجراءات تمت فى العلن وبعلم شركات أخرى، وهذا مشار إليه فى العقد. • هل دارت بينك وبين قضاة مجلس الدولة مناقشات حول حكمى البطلان؟ بالتأكيد، وبعضهم راض والبعض الآخر متحفظ إما على النتيجة أو الحيثيات. • وهل تحدثت مع قيادات المجلس؟ دارت بينى وبين المستشار محمد الحسينى، الرئيس السابق للمجلس، مناقشة فى آخر أيامه بمنصبه حول حكم أول درجة، ولم يكن راضيا عن الحكم بسبب طريقة تعرض المحكمة لمسألة صفة ومصلحة مقيم دعوى البطلان. فقد قلت له «إن المحكمة استندت إلى حكمك فى قضية تصدير الغاز لإسرائيل» والتى وسعّت مفهوم المصلحة وأتاحت رفع دعاوى مماثلة لرقابة تصرفات الدولة فى الثروات الطبيعية. فرد علىّ بقوله «شتان بين قضية مدينتى وتصدير الغاز، فتصدير الغاز لإسرائيل علاقة مع العدو، ونوسع فى المصلحة لأبعد مدى لأن الدعوى غايتها سامية».