عرض "توت عنخ آمون" الذي قدمته إحدي الفرق النمساوية الخاصة في دار الأوبرا وسط دعاية مكثفة تحت عنوان "ميوزيكال" وهي تعني المسرح الغنائي جاء نموذجاً للعروض الترفيهية التي تم تنفيذها باتقان من الناحية البصرية أما موسيقاه فجاءت تخاطب أجيال الشباب الحالي الذين تربوا علي موسيقي "البوب" ولم تتعود آذانهم علي روائع المسرح الغنائي .. أي أنها موسيقي لا تحتاج عناء الثقافة والخلفية الموسيقية لدي المتلقي وأعتقد ان هذا كان وراء الصدمة التي أصابت المثقفين الذين شاهدوا العرض خاصة أن قصته خيالية استوحتها المؤلفة "سيسي جروبر" من قشور بعض الحقائق التاريخية وتناولت فيها شخصيات شهيرة في التاريخ مثل اختاتون وحور محب والملكة تي .. ولكن لا ننكر أن تناولها كان فيه تسلسل درامي وحبكة جيدة لأنه لا حكر علي خيال الفنان وإذا كان هناك اعتراض علي هذا الخيال فليس له محل وإبداعه طالما جاء في إطاره الفني كما ان هذه فترة في تاريخ مصر القديمة لم يتم الكشف عنها إلي الآن وجميع هذه الشخصيات وأحداثها مازال يكتنفها الغموض فمثلاً هناك علماء يؤكدون ان توت عنخ آمون ابن اخناتون كما جاء في هذا العرض وآخرون يرون انهم اخوة إذن فهذه الحقائق لم تتأكد حتي الآن بشكل قاطع مما يعطي فرصة لنسج القصص من الخيال. العرض من إنتاج شركة "كوادر فيمن" النمساوية تحت إشراف المدير الإداري ارنست نويشيل والمشرف ايضاً علي مهرجان مدينة "جوتنشناين" في جنوب النمسا والذي تم تقديم هذا العمل به عام 2008 ولاقي نجاحاً كبيراً للانبهار بالحضارة الفرعونية. العرض جاء في فاصلين بدأ الفصل الأول بوفاة "اخناتون" وتولي الطفل توت عنخ آمون الحكم بدعم من جدته وتتناول الأحداث قصة حبه وزواجه من عنخ آسن آمون وأيضاً الصراع علي السلطة كل هذا جاء من خلال تفاصيل كثيرة أعطت للمخرج الأمريكي "دين فيلتيرلين" فرصة لأن يجعل العمل استعراضياً جيداً فقد جمع في إخراجه بين موهبة متميزة في تصميم المسرح وحركةالممثلين والإضاءة وتصميمات الجرافيك التي أعطت عمقاً للمسرح واستطاع ان يوظف كل إمكانيات خشبة المسرح الكبير لإحداث إبهار يعد دعائم هذا النوع من العروض الغنائية .. وقد ساعده علي هذا ديكور "إدوارد نيفرزال" الذي اعتمد علي جدران متحركة علي شكل هرمي كما أن تصميم ملابس "أوشي هاينزل" تميزت بانسجام مع الديكور ومستثمرة الأزياء التي نشاهدها علي النقوش ولكن بشكل معاصر. من ميزات العرض رقصات المصمم "سيدريك لي برادلي" والتي تعد من أكثر العناصر توظيفاً وحملت بعض الملامح الرمزية التي أعطت عمقا إلي حد ما للعمل من الناحية البصرية والإخراجية مثل مشهد البكاء علي وفاة اخناتون واحتفالات عيد "الأوبيت" ومواساة توت عنخ آمون الطفل بعد وفاة جدته .. وقد أدي الرقصات بإتقان نجوم فرقة الباليه المصرية سحر حلمي وفيراكر ابيفكو ونور الدين عماد وأحمد إبراهيم بالإضافة لباقي أعضاء الفرقة. الغناء أحد أهم عناصر هذا الاستعراض وكان هناك توفيق في اختيار المغنيين حيث جاءت أصواتهم جميلة وأداؤهم جيداً مثل "جيسر تايدن" الذي أدي دور اخناتون في صباه وفرانسسكا شوستر ودرو زاريس واندريه بادر ومارتين بيجر الذي كان دوره في التمثيل أكثر من الغناء وكما كان العنصر الكوميدي في العمل . وموسيقي هذا العرض للموسيقار "جيرالد جرانزر" من عازفي الإيقاع المعروفين وله نشاط في مجال التوزيع الموسيقي للأفلام والإعلانات أما التنفيذ الموسيقي قام به أوركسترا القاهرة السيمفوني والذي يعد هذه الموسيقي بسيطة بالنسبة لإمكانيات عازفيه وخبراتهم وقام بالقيادة "هيرفيج جراتزر" والمصاحبة الحية اضفت الفخامة علي العمل الذي كان من الممكن أن يقدم علي موسيقي مسجلة فموسيقاه ليس لها عمق ولا تتضمن توظيف أوركسترالي عكس المسرح الغنائي الكلاسيكي الذي تكمن قيمته واعتماده الأساسي علي الموسيقي. بشكل عام العمل كما سبق ان ذكرت في البداية ترفيهي تناول موضوعاً جاداً ويصلح في المهرجانات الخفيفة والتي يتم تقديمها لأغراض سياحية!!