"مصر بها الكثير من الأغنياء. ومش هنمد إيدنا لحد. وأنا متأكد أن صندوق "تحيا مصر" سوف يجمع مائة مليار جنيه" هذا ما قاله المهندس إبراهيم محلب في حديثه لبرنامج آخر النهار الذي أذاعته ليلة أول أمس فضائية النهار. ورغم أن فكرة الصندوق التي تبناها الرئيس السيسي كانت تقوم علي استثارة الحس والضمير الوطني لدي مجتمع الأعمال المصري برموزه من كبار رجال الأعمال والمستثمرين ومن بينهم عدد لا بأس من المليارديرات. إلا أن حجم الاستجابة لدعوة الرئيس لم يكن علي المستوي المأمول أو المتوقع باستثناء نفر قليل قد لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة. وفي الوقت الذي كان يأمل فيه السيسي أن تبلغ موارد الصندوق نحو 100 مليار جنيه وجدنا أن الحصيلة حتي قبل أسبوع لم تتجاوز السبعة مليارات جنيه. نصفها تقريباً لأسرة "ساويرس". بل إن أحد مشاهير رجال الأعمال تبرع بمديونية شركاته لدي هيئة البترول والبالغة نحو 6.5 مليون دولار ويبدو أنه كان فاقد الأمل في تحصيل المديونية في الأجل القريب فقرر التبرع بها ضارباً "عصفورين بحجر واحد". وفيما كانت الدعوة للتبرع للصندوق تستهدف الفئات القادرة والغنية بالأساس وجدنا جهات أخري لا ينطبق عليها مصطلح القادرين أو الأغنياء تستقطع أموالاً من مستحقات أعضائها للتبرع للصندوق مثل النقابات العمالية التي لا يقوم معظمها بدورها المطلوب في رعاية أعضائها والوفاء بمتطلباتهم. بل وجدنا جامعة القاهرة التي تعاني مستشفياتها من نقص الموارد ونقص الأسرة والمعدات والدواء لعلاج ملايين الفقراء الذين يلجأون إليها تتبرع بنحو 20 مليون جنيه للصندوق هذا فضلاً عن إجبار بعض الوزراء موظفي وزاراتهم علي التبرع بجانب من رواتبهم علي غير ما كان يستهدف الصندوق. بل إن أفكاراً جديدة بدأت في الظهور مؤخراً مثل تنظيم الحفلات الغنائية التي توجه حصيلتها للصندوق. والتبرع عن طريق شركات المحمول علي غرار تبرعات مستشفي مجدي يعقوب فضلاً عن اقتراحات القروض الحسنة للحكومة. ورغم كل هذه الأفكار المبتكرة إلا أنه من المستبعد أن يحقق الصندوق هدف المائة مليار جنيه في المدي القريب. أي قبل مؤتمر "أصدقاء مصر" كما توقع رئيس الوزراء خاصة مع عدم إقبال عدد كبير من رجال الأعمال والمستثمرين علي التبرع بل ومهاجمة بعض المستثمرين للحملة التي دعا إليها نشطاء لإعداد قائمة سوداء للممتنعين عن التبرع. وقال أحد مشاهير رجال الأعمال أن ما يؤخذ من أموال بسيف الحياء حرام!! الغريب أن الدولة لديها أدوات أخري كان يمكن اللجوء إليها لجمع موارد تكفي لتمويل المشروعات التي يستهدفها الصندوق وفي مقدمة هذه الآليات تحصيل المتأخرات الضريبية التي تقدر بنحو 70 مليار جنيه حالياً وفقاً لأحدث تصريحات رئيس مصلحة الضرائب. وهي ما يعادل حوالي 70% من الحصيلة المأمولة لصندوق تحيا مصر. من بين هذه الأدوات أيضاً إعادة النظر في المنظومة لضريبية بما يؤدي إلي تحمل الأغنياء نصيبهم الحقيقي فيها من خلال تصاعدية الضريبة علي غرار ما تطبقه الدول الرأسمالية الكبري. فالنظام الضريبي الحالي يجامل الأغنياء ولا يعطي الفقراء حقوقهم وفقاً لما شهد به شاهد من أهلها وهو رئيس مصلحة الضرائب الحالي الذي يطالب بوجود نظام ضرائب تصاعدي لا يحمل الطبقة الوسطي الجانب الأعظم من الضرائب. معالي رئيس الوزراء.. إذا كان ما يؤخذ بسيف الحياء حراماً حقاً.. فبالتأكيد ما يؤخذ بسيف القانون حلال شرعاً. فاقتصاديات الدول لا تُبني بالتبرعات.