اللافت أنه يصعب أن يوجد يوم علي مدار السنة. لا يقام فيه احتفال بمولد ولي في مدينة أو قرية مصرية. وعادة. فإن مولد الولي يستمر ثلاثة أو أربعة أيام. وربما امتدت ليالي المولد إلي سبعة أو عشرة أيام. وتختتم الليالي بليلة أخيرة تعرف باسم "الليلة الكبيرة". وهي الليلة الرئيسية. وبها ينتهي المولد. وبالطبع. فإن احتفالات المولد تقام في المكان الذي دفن فيه الولي. أو المقام الذي ينتسب إليه. ومن أهم الاحتفالات. تلك التي تقام في مناسبة المولد النبوي. وموالد السيدة زينب والسيدة عائشة والحسين والسيد أحمد البدوي والسيد ابراهيم الدسوقي وأحمد الرفاعي وعبدالرحيم القناوي وأبو الحجاج الأقصري. وغيرهم.. ففي الشارع العام والوصف لعبدالحميد السحار أعلام تنصب. وزينات تضرب. تنتشر كالعدوي من دكان إلي دكان. ومن بيت إلي بيت. وفي كل يوم عنصر غريب يبدو ويتكاثر عنصر الدراويش والمجاذيب فمن ذي عمامة استفحل أمرها إلي ذي قاووق قد تمادي طوله: هذا يقبض علي سيف من خشب. يسير في رزان ووقار. وذاك يلوح بصولجانه في رعونة وجنون. ومن ذات أسمال تنوء بما عليها من سبح وتمائم. اتخذت لها من احدي الزوايا محلاً مختاراً يقصد ما فيه طلاب التبرك والزلفي. إلي ذات أثواب كقوس قزح. أخذتها الجلالة. فهي أبداً ثائرة فائرة لا يستقر لها قرار هذا مولد ولي الله في الحي. والمؤكد تاريخياً أن احتفالات المولد النبوي وغيرها من الاحتفالات الدينية. لم تكن قائمة في حياة المصريين إلي القرن الرابع الهجري. حين غزاها الفاطميون. فوسموا الدين بطقوس واحتفالات ومواكب وأعياد. مثل الاحتفال برأس السنة الهجرية. وليلة المولد النبوي. وليلة أول رجب. وليلة المعراج. وليلة أول شعبان. وليلة نصف شعبان. وليلة رؤية رمضان. وعيد الفطر. وعيد الأضحي.. بالإضافة إلي الاحتفال بمولد علي بن أبي طالب. ومولد الحسن. والحسين. والسيدة فاطمة الزهراء. التي ينتسب إليها الفاطميون. ويوم عاشوراء الذي قتل فيه الحسين في كربلاء. وانطلاقاً من كل تلك الاحتفالات. حرص المتصوفة علي إقامة الموالد. للرسول. أو لآل بيته. أو تقيم كل طائفة احتفالاً بمولد قطبها. وكان عدد الموالد التي تقام في القاهرة كل عام حتي أواخر القرن التاسع عشر 80 مولداً. ومع أن الدين الإسلامي يعتبر النذور من أعمال الجاهلية. فإن المعتقد الشعبي الذي يؤكد قيمة النذر ودلالاته. فرض نفسه علي الحكومة. فهي تخصص لها صناديق. وتتقاسم إيراداتها مع العاملين في المساجد. وكانت الدوسة من أهم مظاهر احتفالات الطرق الصوفية بموالد الأولياء. وفي 1880 أصدر الخديو توفيق أمراً بإلغاء "الدوسة" وغيرها من مظاهر الكرامات والأعمال الخارقة. مثل ابتلاع الثعابين وازدراد الزجاج ودق المسامير في الخدود والأنوف والأذرع والسير علي حد السيف إلخ.. وكانت "الدوسة" إلي ذلك الحين مظهراً مهماً من مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف. ثم أمر السيد البكري عقب توليه نقابة الأشراف في 1881 ببطلان الدوسة. وإلغائها كلية من جميع الموالد والاحتفالات.