أغمض عينيه وفرد جناحيه وانطلق لأعالي السماء.. شعر بتحرره من قيود الجسد وقوانين الأرض "الآن أستطيع أن أقفز في كل مكان.. ما أجمل الانسلاخ بعيداً عن ضجيج العالم وثرثرة الحياة". صيحات صغاره في حيزهم الضيق تلاشت. آلام مفاصله. ثقل متطلبات العيش قد اختفت. الأبنية العملاقة والأبراج الشاهقة التي كثيراً ما حجبت عنه النسيم بالكاد تبدو كأعواد للثقاب. الطرق العملاقة التي استطالت عليه ودائماً ما يغضها أصبحت خطوطاً رفيعة. الجبال السامقات التي استعصي عليه مجرد الحلم بتسلقها.. هاهو يعتلي برشاقة قممها. بعضها تكسوه الثلوج فيصنع مع صغار السحب ما يفوق الخيال.. بحر القلزم بمياهه الفيروزية الصافية وجزره المتناثرة هنا وهناك بأشكالها المتباينة البديعة يكملان اللوحة الخلابة. 2 دفعه ما رأي أن يصيح بأعلي صوته: "ما أروع الكون! هكذا يجب أن تكون الحياة".. ظل هكذا يعلو ويهبط.. يطير ويقفز هنا وهناك تكفه النشوة ويغلفه الانتشاء.. يتنقل بين صفرة الصحراء وزرقة الماء .وما بين الأرض والسماء. 3 فترة وارتوي من سكون العلا.. أفاق علي هدوء الطبيعة الخالية من ضجيج وتفاعلات البشر.. دفعته سليقته للبحث فيما حوله عله يجد من يؤانسه.. اشتاق لصرخات العالم وألحان الحياة.. أخذ يصيح ويصيح فلم يجبه أحد. "هاهو سرب الطيور فلأكلمه" لكنه سرعان ما طار وهرب. استصرخ السحاب تركه ومشي.. استعطف الجبال ظلت صامتة ساكنة.. اقترب من المياه فلم يسمع سوي أصوات الأمواج المتلاطمة الرتيبة.. ظل يصيح ويدور يفتش عن ظل لصدي صوته دون جدوي. 4 مضطراً اقترب من الأرض رويداً رويداً.. كان قد قرر شيئاً ما.. وعند نفس النافذة الخاصة بإحدي حجرات منزله. مازال ينبعث منها صراخ صغاره الملأي برائحة البشر.. طوي جناحيه وفتح عينيه.. ثم دخل في نفس الجسد.