أيام ويبدأ الموسم الكبير للدراما التليفزيونية.. الموسم الرمضاني الأشهر حيث العروض الممتدة للمسلسلات التليفزيونية. الآن نري إعلانات تتسابق علي القنوات لتؤكد انفرادها بأعمال بعينها.. كلمة "حصريا" تأخذ مكانها البارز وقيمتها التي تستدعي الجماهير المنتظرة.. تقول الشواهد إن صناعة الدراما المصرية أصبحت قوية والسنوات التي مضت لم تؤثر الأحداث الدراماتيكية الضخمة في إنتاج الاستوديوهات. والمؤشرات هذه السنة تؤكد حضور عدد كبير من النجوم والنجمات العربيات في العديد من الأعمال التي تبدأ عروضها مع بداية رمضان وفي كل سنة تقوي العلاقة وتشتد بين النجوم العرب وبين الشاشة المصرية.. في هذا الموسم تلمع أسماء مثل سيرين عبدالنور في مسلسل "سيرة الحب" الذي يضم 90 حلقة تعرض علي مدي شهرين من تأليف محمد رشاد وإخراج محمد العدل.. أيضاً كندة علوش التي أصبح لها مكانا شبه ثابت في الأعمال الدرامية ومثلها هند صبري التي أصبحت فنانة "مصرية" بامتياز أكثر منها تونسية. تعرف اللهجة. وتعيش الأحداث. وتفهم تركيبة الشخصية التي تؤديها والبيئة الاجتماعية التي شكلتها نفسيا وسلوكيا. ظهر هذا بوضوح في مسلسل "عايزة أتجوز" و"فرتيجو". بعض المحررين الفنيين يضغطون أحياناً بأسئلتهم حول التأثير الناتج عن الاستعانة بنجوم ونجمات من الدول العربية والمقصود في الأغلب التأثير السلبي علي اعتبار أن وجودهم يأخذ المساحة المتروكة للنجوم المصريين.. هذا الموسم أكاد أري جميع الفنانيين بأجيالهم وتنوعهم. وفي رأيي أن التعاون المصري- العربي في مجال الدراما يضيف إليها ويثريها ويوسع من قاعدة المشاهدين لها. ويخلق أجواء من التنافس الفني المشروع يضفي علي العمل قدراً من الإثارة أكبر ويقوي العلاقة والروابط بين البلدان العربية. فالحقل الفني وحده حتي الآن يعتبر المجال الخصب للوحدة المنشودة فنيا وعمليا وعاطفيا.. تدلنا الأحداث الأخيرة بعد انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسي والترحيب اللافت- عربيا- باختياره والمواقف التي عبر هو عنها ضمنيا في أحاديثه فضلاً عن الروح الحميمة التي خاطب بها الأشقاء العرب. تدلنا علي أن الحقل الفني الجامع بين الشعوب العربية سوف يمتد ليطول مناطق للتعاون في مجالات أخري حيوية.. فنحن في أمس الحاجة للتعاون لمواجهة الأنواء والتحديات الصعبة وغير المسبوقة علي الصعيد العربي.. الآن من الصعب الحكم من خلال متابعة "المقدمات" الإعلانية علي المادة الموضوعية التي اتكأت عليها المسلسلات التي سوف نراها ولا نعرف مدي التفاعل بين ما جري من وقائع دراماتيكية ملتهبة علي أرض الواقع. وبين الدراما التليفزيونية. فالإرهاب وحروب الجماعات المتأسلمة والصراع المشتعل في معظم البلدان العربية في هذه المرحلة الحاسمة من التاريخ من الموضوعات اليومية التي تشهد وقائعها علي الشاشة من خلال التغطيات الإخبارية لما تشهده سيناء في مصر وما يدور في سورياوالعراق وليبيا واليمن.. الخريطة العربية تغطيها الحرائق والاغتيالات والقتل والتدمير ولا يكاد يمر يوم دون ضحايا. سيناريو التقسيم يجري علي قدم وساق في العراق بعد السودان واليمن. فهل نجد انعكاسا أو إشارة أو عمل واحد من بين العشرات التي يتم الإعلان عنها يومياً علي معظم القنوات التليفزيونية العربية إن لم يكن كلها.. أغلب الظن أن القضايا الاجتماعية سيكون لها نصيب أكبر من دراما الأمن والإرهاب.. والأكثر حضوراً سيكون للأعمال الكوميدية علي اعتبار أن الجماهير المُنهكة علي مدار اليوم بأخبار مقلقة في حاجة ماسة إلي الضحك وإلي الهروب الجماعي إلي الشاشة مع نجوم الضحك الكبار. أمثال عادل إمام وأحمد حلمي ومحمد سعد وأحمد عيد ومحمد هنيدي وأحمد مكي وأشرف عبدالباقي. دعونا نستبشر خيرا ولا نسبق الأحداث وننتظر "صاحب السعادة و"العملية ميسي" و"الكبير قوي" و"فيفا أطاطا" وكلها أعمال ضاحكة ربما انطوت علي قيم وحكايات إنسانية تعيد مشاعر التفاؤل وتنسينا جرائم التحرش ومؤامرات الجماعات الإرهابية التي هبطت كطير أبابيل مصيرها السقوط والدمار بإذن الله.. عموما من الصعب جداً علي المرء في هذه الأيام المثقلة أن نبتعد عن الهموم الاجتماعية وعن تحديات المرحلة التي نعيشها وآفاق المستقبل. وفي خضم الإنتاج الدرامي الضخم والمتنوع ستجد للدراما التاريخية مكانة وستجد ربما تأثيرا للدراما التركية التي احتفي بها الجمهور العربي وانجذب إليها ستجده في مسلسل "سرايا عابدين" و"السيدة الأولي".. وما أقوله مجرد استنتاج يحتاج إلي برهان موضوعي لا يتحقق إلا بعد المشاهدة. أهم ما في هذا العدد الكبير من الأعمال الدرامية التليفزيونية التي تتوالي طوال ال 24 ساعة علي مدي 30 يوماً وأكثر لأن بعض المسلسلات كما أثرت قد يمتد إلي 90 يوماً.. الأهم وجود حشد كبير جداً من النماذج البشرية العاكسة لقيم المجتمع وأحواله النفسية وأوجاعه الاجتماعية. ومصادر القلق المؤرقة لحياة المجتمع ككل أثناء تقدمه في مسيرة التطور والتنمية ستجد أيضاً الصفات الأخلاقية. وانساق القيم الطارئة والأصيلة وستجد أن كثيراً من الشخصيات التي أفرزها المجتمع في مراحل انحطاطه الثقافي حاضره وأعاد المؤلفون الدراميون إنتاجها في السينما وحققت نجاحا جماهيريا كبيرا. ستجدها في المسلسلات ويؤديها نفس الأفراد. في هذا الموسم يظهر لأول مرة الممثل محمد رمضان في مسلسل "ابن حلال" نجوم بثقل يحيي الفخراني ننتظرهم بشوق كبير خصوصاً أنه غاب في الموسم الماضي. سنشاهده في مسلسل "دهشة" الذي يعود الفخراني به وفي "جبل الحلال" نتوقع دورا بارزا لمحمود عبدالعزيز يضاف إلي أدواره القوية والمثيرة في المواسم السابقة. القائمة المنشورة والتي يعلن عنها في الصحف وعلي شاشة التليفزيون تشير إلي وجود جميع الممثلين الكبار "النجوم" وإلي جوارهم الأبناء في عدد من الأعمال: عادل إمام مع ابنيه المخرج رامي إمام والممثل محمد إمام وسنري يحيي الفخراني وشادي الفخراني ومحمود عبدالعزيز وكريم محمود عبدالعزيز فالسلالة الفنية في الأسرة الواحدة تعتبر نتاج بيئة تتسلل بتأثيرها إلي الأجيال احياناً بقصد أو من دون قصد وكذلك السلالة الفنية التي تأخذ في بعض الأحيان أجزاء متوالية لنفس العمل في مثل "شارع عبدالعزيز" الذي يعرض الجزء الثاني منه في رمضان بطولة عمرو سعد. هيفاء وهبي ونور وكندة علوش وكارمن لبسي ونيكول سابا نجمات لبنانيات وسوريات ينضمون إلي الموسم الدرامي الكبير ومعهم نجوم آخرين من سوريا مثل قصي خولي وجمال سليمان. مريم نعوم السيناريست المصرية الموهوبة والمخرجة المبدعة كاملة أبوذكري ونيللي كريم التي وصلت إلي مرحلة من النضج الفني في أدائها التمثيلي. والثلاثة كن نجمات متألقات في مسلسل "ذات" أفضل أعمال الموسم الماضي. وسوف يجتمعن ثانية في مسلسل "سجن النساء" ومن المخرجات الموهوبات أيضاً مريم أبوعوف مخرجة مسلسل "امبراطورية مين" بطولة هند صبري. إذن المرأة التي تسعي الجماعة الإرهابية إلي إخماد صوتها وحجبها عن المشهد المصري الحيوي والنافذ بتأثيره علي المنطقة كلها. موجودة وسوف تلعب الدور المنوط بها كنصف المجتمع والمنتجة والمسئولة عن نصفه الآخر. النجوم المصريون بأجيالهم واختلافات مكانتهم وأدوراهم يحتشدون كالعادة في رمضان ومعهم كتاب الدراما وكتائب الفنيين من مصورين ومونتريين وفناني إضاءة. ومهندسي ديكور واكسسوارات.. "فاترينة" رمضان مدرسة فنية في حد ذاتها من يتابع المعروض فيها طوال شهر مكثف من الفرجة علي التليفزيون يستطيع أن يفهم في أي اتجاه تمضي هذه الصناعة شديدة الأهمية التي تلعب دوراً حيوياً شديد الأهمية في تربية الذوق ونشر قيم الإنسانية وإعادة الاهتمام بالقيم الأخلاقية وقيم الأسرة المصرية التي أصبح يفتقدها كثيرون. يحضرني ما كتبته الدكتورة سامية أحمد حلمي في كتاب لها صدر منذ سنوات بعنوان النماذج البشرية في السينما التليفزيونية تقول فيه: ترجع أهمية التليفزيون إلي أنه وسيلة الاتصال التي اجتمعت لها كل المزايا التي انفردت ببعضها وسائل الاتصال الأخري كالسينما والمسرح والإذاعة.. وإذا كانت السينما علي سبيل المثال تعطي المشاهد صورة قريبة من الواقع. فإن التليفزيون هو قناة الاتصال التي تملك توصيل الواقع للمشاهد أينما كان بالصوت والصورة معاً.. ومن هنا أخذ التليفزيون أهميته البالغة كمولد أساسي للطاقة البشرية في المجتمعات الحديثة. إلي الحد الذي جعل خبراء التنمية والإدارة الحديثة يعتبرون التليفزيون كقناة اتصال جماهيري من أهم عوامل الإسراع بتنمية المجتمع والانتقال بالفرد من حالة الركود والتخلف الحضاري إلي معايشة عصره والاطلاع علي العالم وما يصطرع فيه من أفكار وأحداث وقيم.. وإذا كان لهذا الوسيط "التليفزيون" كل هذه المقدرة المهيمنة علي وجدان وعقل وضمير الجماهير علي الكوكب فإن الدراما التليفزيونية تمتلك التأثير الأقوي علي بلدان مازالت تعاني من الأمية الثقافية ومن بعض مظاهر التخلف. ناهيك عن سوء التعليم. رمضان يأتي ومعه "حمولة" إذا صح التعبير كبيرة جداً من الأعمال الدرامية التي يتابعها المصريون أينما كانوا داخل الحدود وخارجها.. ومعها الدليل البصري الدامغ علي المستوي الذي وصلنا إليه في مجال التعبير بالصورة والصوت إلي جانب الموثرات المتطورة تكنولوجيا.. وفي هذه الأيام يمكننا أن ندرك عملياً حجم الأهمية التي تحتلها الدراما التليفزيونية والمسلسلات تحديدا من خلال التسابق الكاشف عن حراره التنافس بين الشركات المنتجة والقنوات التي تقوم ببثها وأصحاب هذا "البزنس" الضخم الذي تضُخ فيه المليارات.