استطاع المايسترو أحمد الصعيدي ان يقدم لنا مجموعة من نجوم العزف من مصر ولبنان من خلال حفلين يعدان من أهم الحفلات التي أقيمت خلال هذا الموسم ليس لبرامجها الجيدة فقط ولكن للاداء الجيد الذي جعل الحفلين هدية لعشاق الموسيقي. الحفلان أقيما علي المسرح الكبير بدار الأوبرا الأول أحياه أوركسترا القاهرة السيمفوني والثاني أحيته فرقة "سينفونيتا" حفل السيمفوني جاء بعنوان "الحياة السماوية" وتتضمن السيمفونية الرابعة لجوستاف مالر "1860- 1911" والتي تدور حول الاشعار الألمانية "بوق الشاب السحري" والتي تختتم بصوت السبرانو الاسبانية الزائرة "دولوريس لاهويرتا" والتي تنزل من أعلي المسرح لتغني بصوت جميل وملائكي أغنية "السماء تخلو من النجوم" ومؤلفات ماللر بما فيها هذه السيمفونية أصبحت من دعائم الرصيد الفني للسيمفوني ويقدمها الصعيدي بتفسير جيد وفهم واع ولا ننسي انه هو من أدخل مولفات ماللر للفريق المصري وسبق ان تناولنا معظمها بالنقد والتحليل علي هذه الصفحة. نجم هذا الحفل كان عازف البيانو المصري العالمي وائل فاروق الذي حضر خصيصا من أمريكا حيث يعمل هناك أستاذا للموسيقي في جامعة روزفلت بشيكاغو وقد عزف لنا من مؤلفات يوهانس برامز "1860- 1911" كونشرتو البيانو والأوركسترا في سلم ري الصغير مصنف رقم 15 ويعد هذا ثاني كونشرتو يعزفه وائل لبرامز حيث سبق ان قدم لنا الكونشرتو الثاني وأكد لنا بعزفه في هذه الليلة انه تخطي تماماً مرحلة الاجتهاد ووثب بكل ثقة الي الاحتراف الفني واستحق عن جدارة لقب العالمي لأنه قدم لنا هذا الكونشرتو بكل ميزاته التقنية والتعبيرية واستطاع مع المايسترو والعازفين ان يجعلنا نستمع الي واحد من أحسن التفاسير لفكر هذا المؤلف العظيم وكونشرتو برامز من عيون التراث الموسيقي العالمي وقدم لأول مرة في هانوفر بألمانيا عام 1859 وكتبه برامز في 4 سنوات مر خلالها بظروف نفسية انعكست علي العمل من الناحية التعبيرية كما أنه كان ينوي في البداية ان يكتبه لثنائي بيانو ثم قرر ان يكتبه في قالب سيمفونية وانتهي به الأمر ليكون في قالب الكونشرتو ولكن يحمل في طياته ضخامة السيمفونية والعمل من ناحية الشكل يأتي تقليديا حيث يتكون من ثلاث حركات ويتضح فيه تأثره ببيتهوفن خاصة في الحركة الأخيرة ومن أهم ميزاته ان الأوركسترا يتقاسم البطولة مع البيانو الذي استطاع وائل بحفظه التام للعمل ومهارته التكنيكية وفهمه الناضج له ان يقدم لنا فواصل "كودا" متميزة خاصة في ختام الحركة الأولي وفي الحركة الثانية وأيضاً في حواراته مع الفريق أو في النغمات المتداخلة معه والتي جاءت واضحة ومعبرة أيضا مندلسون لم يكتف بإعطاء دور بارز للاوركسترا وانما ايضا لبعض الالات مثل حوار البيانو مع آلة التشيللو في الحركة الثالثة. في الحفل الثاني والذي قدمته فرقة سينفونيتا تضمن برنامج الحفل باسكاليا لاوركسترا الوتريات من مؤلفات الصعيدي ثم كان هناك فاصل مع الموسيقي الايطالية حيث استمعنا من مؤلفات اتورنيورسبيجي "1879- 1936" الي متتالية رقم 3 للأوركسترا الوتري ومن مؤلفات نينو روتا "1911- 1979" كونشرتو للوتريات.. أما مفاجأة الحفل كانت مشاركة كل من عازف الكمان المصري محمد شرارة وعازف البيانو اللبناني رامي خليفة واللذين اشتركا في كونشرتو البيانو والكمان والوتريات للمؤلف الموسيقي فيليكس مندلسون بارتولدي "1809- 1849" والذي ألفه عام 1823 ويمتاز بألحان غنائية متميزة وبه ارتجالات لكل عازف علي حدة وحوارات متبادلة بين التي البيانو والكمان وبين كل منها والأوركسترا وبين الثلاثة وقد كان هذا العمل اللطيف فرصة جيدة ليتعرف الجمهور المصري علي العازف اللبناني رامي نجل الموسيقار المعروف مارسيل خليفة وأيضاً فرصة ليعود لنا مرة أخري محمد أشرف حفيد المؤلف الموسيقي عطية شرارة والاثنان امتازا بحس شرقي عالي بالاضافة للمهارة في العزف مما جعل المثل الشعبي المصري ينطبق عليهما "ابن الوز عوام".