حفل أوركسترا القاهرة السيمفوني الذي أقيم السبت الماضي علي المسرح الكبير من الحفلات الهامة في تاريخ هذا الفريق بشكل خاص وفي حفلات دار الأوبرا عامة ليس لأننا شاهدنا برنامجاً متميزاً يجذب عشاق الموسيقي الكلاسيكية فقط لكن لأننا تعرفنا علي قائد شاب موهوب ومجتهد وبارع كما ان الحفل كشف عن ميلاد عازف منفرد "سوليست" لآلة الكمان حيث نجح في تقديم نفسه للجمهور وبدأ الطريق بخطي واثقة وجيدة. قائد الحفل هو المايسترو مينا ذكري من مواليد 1977 بدأ حياته عازفاً مجهتداً لآلة الكمان وبعد دراسته في الكونسرفتوار حصل علي منحة أمريكية لدراسة موسيقي الحجرة في سن الرابعة عشرة واستمر هناك وأكمل دراساته العليا في العزف المنفرد بجامعة "دي يول" بشيكاغو وهو عضو بأوركسترا "ديوان الشرق" تحت قيادة بار نبويم وفي عام 2002 بدأ في دراسة القيادة وفي عام 2007 أختير ضمن 12 قائداً تم اختيارهم من بين 223 قائداً من أكثر من 40 دولة للمشاركة في التصفيات النهائية لمسابقة جوستان ماللر العالمية لقيادة الأوراكسترا كما تم اختياره مؤخراً من بين 180 قائداً للزمالة الأكاديمية الأمريكية لقيادة الأوركسترا بولاية كلورادو. أما العازف المصري كان الشاب محمد شرارة الذي توارث الفن من أسرته الفنية . ولد عام 1984 وتلقي تعليمه في كونسرفتوار القاهرة الذي تخرج فيه بامتياز عام 2005 وسافر عام 2006 إلي ألمانيا وحصل علي الدبلوم الموسيقي عام 2008 وكان عضوا في السيمفوني منذ كان طالباً وحالياً هو عضو في أوركسترا "قطر" الهارموني وظهوره في هذا الحفل هو الأول كعازف سوليست. برنامج الحفل تكون من فقرتين فقط بدون افتتاحية كعادة الحفلات السيمفونية ولكن جاء هذا مبرراً لان الفقرتين كل منهما طويلة. بدأ الحفل بكونشرتو الكمان والأوركسترا في سلم ري الكبير مصنف 77 للمؤلف الألماني يوهانس برامز "1833-1897" وقد الفه عام 1878 وأهداه لصديقه عازف الكمان المجري جوزيف يواكيم وقدم لأول مرة بقيادة برامز نفسه في أول يناير عام .1879 وأداء هذا الكونشرتو من قبل عازف الكمان محمد شرارة جرأة كبيرة وتحد وخير تقديم لحياة الاحتراف حيث انه أحد عيون التراث ومن أكثر الأعمال أهمية في ريبرتوار هذه الآلة كما انه يتطلب مهارة وتقنية فائقة من عازف الكمان "السوليست" ولا ننسي ان برامز كتبه لواحد من أهم وأمهر عازفي عصره العمل أيضاً تكمن قيمته في ان للأوركسترا دور كبير لا يقل أهمية أي أننا نستمع إلي عمل سميفوني متكامل يحتاج مهارة من العازف والقائد والعازفين وكان واضحاً من أداء محمد أدركه لقيمة الكونشرتو فاجتهد في حفظه جيداً وأداه بمهارة شعرنا به منذ دخوله في الحركة الأولي عقب المقدمة الأوركسترالية التي استعرض فيها برامز افكاره وألحانه الرئيسية للعمل فكما أراد برامز نجد ان دخول محمد كان مبهراً وإعادته للحن الأوركسترا الذي استمعنا إليه في بداية الحركة بسهولة ويسر. واستعمالات مبكرة للقوس كما كان موفقا في ختام الحركة الأولي حيث أدي "الكادينزا" باقتدار حيث يتحد في الختام مع الأوركسترا بختام قوي لم يستطع الجمهور ان يتماسك وصفق له برغم مخالفة هذا لتقاليد الاستماع مما يؤكد غلبة الإعجاب علي هذا الوليد أيضا تفوق بشكل كبير في الجزء الصولو بالحركة الثانية خاصة في الأداء الزخر في "الأرابيسك" الذي يمتد أيضا للحركة الثالثة وهذا الأداء المتميز ربما يعود لحسه الشرقي والمهارة التي نالها من أسرته الموسيقية. هذا العازف الموهوب أري انه نجح في تقديم نفسه من خلال هذا الكونشرتو الصعب والذي يجب ان يكون بداية طريق شاق نحو السعي والمعرفة والدراسة والمشاركة الدائمة في المسابقات الدولية ليكون الخطوة الأولي للعالمية كعازف منفرد "سوليست". وإذا كان محمد شرارة قد نجح في تقديم نفسه فأيضاً المايسترو مينا ذكري كان مفاجأة طيبة حيث كان موفقاً في اختيار البرنامج والبداية بهذا العمل الصعب والمحبب للجمهور. والذي رأيناه فهم تفاصيله واستمتعنا بقيادته للفرقة وكان هناك انسجام واضح بينه وبين العازف المنفرد والمجموعات الآلية التي سيطر عليها سيطرة تامة. ابداع هذا القائد ومهارته الحقيقية كانت في الجزء الثاني من الحفل حيث قدم لنا السيمفونية رقم 4 في سلم صول الكبير للمؤلف جوستاف ماللر "1860-1911" والتي كتبت ما بين 1899-1901 وهي من 4 حركات نجد الحركة الأخيرة يشارك فيها الصوت البشري السبرانو والحركات الثلاث تعد مقدمة تمهيدية تؤدي إلي الحركة الرابعة التي هي قمة في الثراء النغمي من ألحان رائعة وتوزيع أوركسترا لي محكم لآلات النفخ والوتريات والايقاع فنجد الحركة الأول التي يؤديها آلات الفلوت الأربعة ونغمات آلات الترومبيت والأبوا والكلارنيت والكورنو والايقاع كل هذا في انسجام مع السبرانو لقد فسر لنا هذا القائد فكر ماللر وقدم اسلوبه بشكل جيد. أما السبرانو مني رفلة فقد كانت جميلة في النغمات العالمية أما النغمات المنخفضة فجاءت مبالغة في الخفوت وعموماً صوت مني جميل ومناسب وأداؤها فيه إيقاع ولكن هذا العمل يحتاج إلي حفظ تام من السبرانو وتكون قريبه من المايسترو يراها وتتبع توجيهاته لان غناءها عنصر رئيسي في العمل ولكن علينا ألا ننسي ان مني تؤدي هذا العمل لأول مرة. أما العازفون فيستحقون جيمعاً تحية كبيرة لهذا الأداء الجميل لجميع المجموعات بداية من نغمات الفلوت الافتتاحية حتي نغمات آلة الهارب الخفيفة التي تختتم بها السيمفونية والتي أجادها المايسترو وكانت خير ختام لهذا الحفل الرائع الذي يجب ان نوجه الشكر فيه للدكتورة إيناس عبدالدايم مديرة الأوركسترا لتنظيمها له.